تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أكثر من مرة كما فى ص41 مثلا.

ثم إن الأسلوب الذى صيغ به الكتاب ليس أسلوب شيخ بلغ أرذل العمر كما يريد أن يوهمنا الكاتب والذين يقفون من ورائه يوسوسون فى أذنه ويلقنونه ما ينبغى أن يقوله، بل هو أسلوب شخص ما زال يتوثب عُرَامًا وحيوية، فهو يتهكم ويسخر ويداور ويناور ويسجع ويجانس ويوازن ويرادف وينفث قلمه لهب الحقد والتشكيك مندفعا فائرا منثالا. وليس هذا من سمات كتابات الشيوخ الفانين ولا من الأساليب التى تبرز فى مثل ذلك السياق الذى لا يكون الإنسان فيه على مزاجه الرائق كى يفكر فى البديعيات والمترادفات وما إلى هذا. كذلك فمصطلحاتٌ مثل "التنوير" و"قوى الظلام" و"الخطاب القرآنى" و"النص" (ص7 مثلا) و"مجتمع متخلف آسن لاعمل له إلا إنتاج ذاته وتكرار ذاته" و"الأُطُر الاجتماعية" و"صدمة الحداثة" و"الأيديولوحيا" و"الأسطرة" (أى تحويل الموضوعات إلى أساطير ص143) و"الذائقة اللغوية" (ص152) هى مصطلحات غريبة على رجل عاش كما يقول فى حلقات الذكر وبين أهله من علماء الدين ممن لا تجرى هذه المصطلحات على ألسنتهم، فضلا عن الاعتزاز بها كما هو واضح فى الكتاب، وبخاصة أنه كتب كتابه وقد تخطى الثمانين كما ذكر (ص44). بل إن الرقم 80 ليؤكد أن المسألة ليست سوى كذبة بلقاء تدل على أن الأمر كله بكش فى بكش، إذ ذكر عباس ا لمحتاس فى بداية الكتاب أنه من مواليد 1927م. فإذا كان الكتاب قد صدر عام 2004م كما هو مطبوع على الغلاف، فكيف يمكن أن يكون المؤلف الموهوم قد تخطى الثمانين مع أنه قد مات قبل صدور الكتاب؟ إنها داهية أخرى من الدواهى المتلتلة التى أراد الله أن يفضحهم بها.

وبالمثل فإن السيناريو الذى تصور الكاتب وقوعه بعد صدور الكتاب وانقسام الناس بشأنه ومصادرة الحكومة له ودخول الإعلام الغربى و"الدوائر السوداء" (حسب تعبيره) على الخط متهمة المسلمين بالتخلف وقمع الحريات وما إلى ذلك هو سيناريو لا يمكن أن يخطر لرجل عجوز فى الثمانين قضى حياته كلها بين حلقات الذكر والصلوات والصيامات وقمع الشهوات ... إلخ. هذا كلام مجرم قرارى لم يتخط سن الحيوية بعد كما قلنا. ومع ذلك فها هو ذا الكتاب قد صدر، ولم يقع شىء مما تخيله عباس الهلاس. والسبب هو أن كل هذا كذب وتزييف، وليس هناك شخص اسمه عباس عبد النور ولا حاجة، ولا الكتاب صدر من دمنهور ولا حاجة، بل هو من صنع شخص متخفٍّ ما زال حيا، وتسنده قوى قوية تريد إحداث ضجة ولغط بين المسلمين وتعمل على نشر التشكيك فى دينهم.

ويصور الكاتب محنته مع القرآن تصويرا دراميا مثل فلم "أشرف خاطئة" وأشباهه حيث تنسد تماما كل الأبواب فى وجه المومس المتحرقة شوقا وغراما وهياما وانتقاما إلى ممارسة الرذيلة فيعاملها القدر بما تستحق وتنسد فى وجهها كل الأبواب بلا أدنى أمل فى معونة من إنسان كريم أو قريب رحيم أو جار شهيم بحيث لا يكون أمام نجوى فؤاد الراقصة اللولبية ربة الشرف والصون والعفاف والفضيلة (أقصد الرقاص الهجاص المدعوّ: عباس الخناس) التى ليس معها شىء من تكلفة عملية جراحية خطيرة لا بد من إجرائها لأمها بغية إنقاذ حياتها إلا الزنا والعهر كما يريد مؤلف الفلم ومخرجه ومنتجه أن يزرعوا فى رُوعنا، تسويغا للخطيئة وترويجا لها وابتهاجا بمقارفيها وإعلاء لشأنهم وتقديما لهم فى صورة الأبطال المغاوير.

وهو كلام لا يدخل عقل عاقل. ذلك أنه يزعم أنه، بعد عشرات السنين من التقوى والعبادة الخالصة لله، قد ألفى نفسه على حين بغتة مريضا يعانى من انفصال فى الشبكية، فضلا عن عرج فى قدمه كان قد عالجه فى فرنسا، إلا أن آثاره بقيت ظاهرة فى مشيته، وهو مع هذا فقير لا يستطيع أن يعالج نفسه، فجعل يدعو الله ويبتهل إليه أن يقف معه ويهتم به ويسارع إلى معونته، لكنه فوجئ بأنه لم يأبه به ولا استجاب لشى مما طلبه منه على الإطلاق، فانتهى أمره معه إلى أن طلق الإيمان طلاقا بائنا لا مثنوية فيه وانكب على القرآن بنفس التحمس القديم، ولكن لينتقده لا ليتعبَّد بقراءته، فكان هذا الكتاب الذى أكد فيه أن القرآن ليس من عند الله، إن كان ثم إله أصلا، وأنه مفعم بالأخطاء اللغوية والفكرية والعلمية وأنه صار يمثل عبئا على كاهل المسلمين، الذين إذا كانوا جادين فى رغبة الدخول إلى عالم الحضارة فليس أمامهم من سبيل سوى اطراحه وإهماله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير