تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كعِبْسِنا المتغشمر الهجام، ما كان ابتدعها!

ومما يُجْلِب أبو العبابيس ويَشْغَب به على القرآن باعتباره عيبا من عيوبه تلك القائمة التى أوردها السيوطى فى كتابه: "الإتقان فى علوم القرآن" من غريب الألفاظ فى كتاب الله، مع أنها كلها مفهومة، قائلا إن من العيب الشديد إيراد ألفاظ وعبارات غير مفهومة فى نص من النصوص (ص148). ومن تلك القائمة "سندس" و"قلوبنا غُلْف" و"مِدْرارًا" و"هيهات هيهات" و"يتمطَّى" و"جزاءً وِفَاقًا" و"أوّاب" و"أباريق" و"زنجبيل" و"ممنون" و"كواعب" و"أتراب" و"سرادق" و"شُوَاظ". وقد يكون السيوطى قَصَد بـ"الغرابة" أن تلك الألفاظ والعبارات لم تكن معهودة على نطاق واسع من قبل، وإن كنت أشك فى ذلك، إذ إنى لا أستطيع أن أجد فيها شيئا صعبا على الفهم. فليقل السيوطى إذن ما يشاء، فالعبرة بالواقع، والواقع يقول إن معظم الألفاظ التى أوردها السيوطى فى قائمته، إن لم تكن كلها تقريبا، مفهومة تماما لنا الآن، فما بالنا بعرب العصر النبوى؟

وحتى أُرِىَ القراء الكرام أن الأمر ليس على ما ادعاه عِبْس السخيف العقل أسوق هنا بعض شواهد من شعر الجاهليين والمخضرمين على تلك الألفاظ بما يبرهن أجلى برهان أن تلك الألفاظ كانت متداولة ومفهومة فى عصر النبوة وما قبله. قال سلامة بن جندل:

كَريحِ ذَكِيِّ المِسكِ بِاللَّيْلِ رِيحُهُ * يُصَفَّقُ في إِبريقِ جَعْدٍ مُنَطَّقِ

وقال تأبط شرا:

خَفَضتُ بِساحَةٍ تَجري عَلَينا * أَباريقُ الكَرامَةِ يَومِ لَهْوِ

وقال المتلمس الضبعى:

لَهُ جُدَدٌ سودٌ كَأَنَّ أَرَندَجًا * بِأَكرُعِهِ، وَبِالذِراعَينِ سُندُسُ

وقال زهير بن أبى سلمى:

هَيهاتَ هَيهاتَ مِن نَجدٍ وَساكِنِهِ * مَن قَد أَتى دونَهُ البَغْثاءُ وَالثَمَدُ

وقال عوف بن عطية بن الخرع:

فأَثنت تَقُودُ الخَيلَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * كَمَا انقَضَّ بَازٍ أَغلَفُ الرِّيشِ أَقتَمُ

"أغلف" هو مفرد "غُلْف". وقوله تعالى عن اليهود فى الآية من سورة "البقرة": "وقالوا: قلوبنا غُلْف" هو إشارة إلى ما جاء فى الكتاب المقدس عنهم هم وأشباههم من أن قلوبهم غير مختونة، أى مغلقة، فهم لا يريدون أن يفقهوا شيئا مما يقال لهم، عنادًا منهم واستهزاءً. وفى الإصحاح السابع فى سفر "أعمال الرسل" من أسفار العهد الجديد إشارة من إسطفانوس إلى هذا على سبيل التوبيخ والاحتقار: "51يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ! أَنْتُمْ دَائِمًا تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذلِكَ أَنْتُمْ! ". ومن قبل نقرأ فى الإصحاح التاسع من سفر "إرميا": "25هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَخْتُونٍ وَأَغْلَفَ 26مِصْرَ وَيَهُوذَا وَأَدُومَ وَبَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا السَّاكِنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، لأَنَّ كُلَّ الأُمَمِ غُلْفٌ، وَكُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ غُلْفُ الْقُلُوبِ" ( uncircumcised in heart- incirconcis de coeur). وفى الإصحاح الرابع والأربعين من سفر "حزقيال": "6وَقُلْ لِلْمُتَمَرِّدِينَ، لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: يَكْفِيكُمْ كُلُّ رَجَاسَاتِكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ،7بِإِدْخَالِكُمْ أَبْنَاءَ الْغَرِيبِ الْغُلْفَ الْقُلُوبِ ( uncircumcised in heart- incirconcis de coeur) الْغُلْفَ اللَّحْمِ لِيَكُونُوا فِي مَقْدِسِي، فَيُنَجِّسُوا بَيْتِي بِتَقْرِيبِكُمْ خُبْزِي الشَّحْمَ وَالدَّمَ. فَنَقَضُوا عَهْدِي فَوْقَ كُلِّ رَجَاسَاتِكُمْ ... 9هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ابْنُ الْغَرِيبِ أَغْلَفُ الْقَلْبِ ( uncircumcised in heart- incirconcis de coeur) وَأَغْلَفُ اللَّحْمِ لاَ يَدْخُلُ مَقْدِسِي، مِنْ كُلِّ ابْنٍ غَرِيبٍ الَّذِي مِنْ وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ". وفى الإصحاح العاشر من سفر "التثنية" يتجه الخطاب إلى بنى إسرائيل على النحو التالى: "16فَاخْتِنُوا غُرْلَةَ قُلُوبِكُمْ، وَلاَ تُصَلِّبُوا رِقَابَكُمْ بَعْدُ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير