وهو يرد على هذه الدعاوي بردود بديعة تتسم بالعمق والتحليل والتدبر ..
كتناوله لبدعة تجسد الله عند النصارى ..
فهو ينظر إليها من منظور أن الإنسان يرغب بطبيعته في رؤية الله ..
وهذا ثابت في التصور الإسلامي ..
والشيطان يرتكز دومًا على الطبيعة البشرية في الانحراف بالإنسان ..
لهذا استغل الشيطان هذا المدخل لتضليل البشر عن طريق ((الادِّعاء بأن ظهور الله في صورة إنسان هو الذي سيحقق المعرفة الإنسانية الكاملة بالله، وكان هذا الادِّعاء أهم أسباب فتنة النصارى بادِّعاء التجسد .. ))
ويستشهد الشيخ بقول صاحب اللاهوت النظامي:
((من فوائد التجسد للبشر أن يكون لنا في ابن الله المتجسد مثال فريد لحياة البشرية الكاملة، وظهور اللاهوت بكمال صفاته على هيئة منظورة محسوسة اقتربت منا اقترابًا عجيبًا! جعلت مخاطبتنا لله وجهًا لوجه في الصلاة والاتحاد الروحي أمرًا ممكنًا))
ثم يقوم بتبيين التصور الإسلامي الصحيح لعلاقة الإنسان بالله ..
وحقيقة رؤية الله التي أعدها للمؤمنين في الآخرة وجعل لهم منها نماذج في الحياة الدنيا ..
وهو كله في تصوير بديع وتحليل عميق ..
وتكمن روعة كتاب الشيخ رفاعي سرور في أنه لا يقدم لك ردودًا جاهزة ..
بل يسبح بك في عمق التصور الإسلامي السلفي الصحيح لكل قضية ولكل مسألة ..
بحيث تخرج وقد تكونت لديك فكرة شاملة عميقة لا تصمد أمامها أي شبهة أو تحدي ..
وهكذا حقًا تكون كتابات العلماء الربانيين عندما يتصدون للزيغ والباطل ..
ولنا في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أسوةً ومثالاً ..
والباب الثالث: تحليل التحريف ..
وهو يتناول في أوله دور إبليس في تحريف بني البشر ..
ورمزية الصليب التي تشير إلى قطع الصراط المستقيم ..
فهو خطٌ قصيرٌ يعترض خطًا طويلاً ..
وملامح دور إبليس في مفردات التحريف النصراني للعقيدة الصحيحة ..
ومن أبرز نقاط هذا الباب هو تناول الشيخ لعقيدة الكفارة وتفنيده لها من أربعة محاور ..
الأول: حكم التناسب بين الخطأ والكفارة ..
الثاني: اختصاص وجوب الكفارة على مرتكب الخطأ ..
الثالث: المناسبة الزمنية بين وقت الخطأ ووقت الكفارة ..
الرابع: تناقضات فكرة الكفارة في النصرانية المحرفة من حيث:
تناقض الكفارة مع معنى العزة الإلهية ..
تناقض فكرة الكفارة مع معنى الرحمة ..
تناقض فكرة الكفارة مع معنى الحب ..
وهذا كله بأسلوب سلس يسير لا تجد فيه صعوبةً ولا عسرًا ..
والباب الرابع: تصحيح التحريف ..
ويتناول فيه الخصائص الربانية للدين من ثلاثة جوانب ..
جانب التلقي والمعرفة، وجانب مضمون الوحي، وجانب الواقع كأمة ..
ثم يعقد مقارنة بين الأمة الإسلامية والأمة النصرانية ..
وهذا الباب فيه من درر الكلام ما لو قرأه نصراني جاد في طلب الحق لأسلم .. !
فإنه يعبر بصورة واقعية عن حقيقة التشتت النفسي والقلبي الذي يعانيه معتنقو العقيدة النصرانية ..
وما يعانوه من فقدان الاطمئنان العقدي نتيجة للتشتت الوجداني بين الأقانيم الثلاثة ..
ويُرجع الشيخ هذا التشتت إلى التناقض بين النصرانية والفطرة ..
((فالألوهية هي المقام الذي يتجه إليه العبد بكليته .. يتجه إليه وحده، فلا شيء في العبد خارج هذا التوجه، ولا جهة أخرى إلا هذا الاتجاه ..
فكيف يكون إحساسٌ بالله وإحساسٌ بابن الله .. ؟!
من منهما صاحب مقام الألوهية الذي سأتجه إليه بكياني كله .. وأتجه إليه وحده .. ؟!))
((فنجدهم بالاعتبار النفسي والقلبي .. يعيشون فكرة «الابن» أكثر من فكرة «الأب» ..
ولا يذكرون فكرة «روح القدس» إلا في مجال المناظرة؛ لأنهم يعيشونها كموضوع جدل باعتبار أن مشكلة «الابن» هي الأكثر مجالًا في المناقشة؛ ولذلك تجد غيابًا عقليًّا وقلبيًّا ونفسيًّا عجيبًا «للروح القدس» .. !
حتى لو قالوا: إن الثلاثة إلهٌ واحد .. إذ كيف يكون التوجه والانشغال القلبي والوجداني بالأب والابن في لحظة واحدة .. ؟!
وهذه المشكلة النفسية لم تظهر من خلال الصراع الجدلي فقط، بل بدأت مع بداية الابتداع .. ))
((إن ادعاء الولد هو أكبر أزمة إنسانية نفسية، والواقع النفسي للنصارى دليل على هذه الأزمة؛ لأن كل فرد من أفراد الأمة النصرانية .. له إحساسٌ خاص بالإله .. !!
إحساسٌ ناشئٌ عن التعامل الشخصي مع عقيدته ..
¥