تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال: "وكل ما يمكن قوله -على سبيل التخمين لا غير- هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة هو القسم الأول منها، وربما كان يتعلق بذكر المعاهدات التي كانت قد أبرمت مع المشركين. ذلك أن سور القرآن، بخاصة الطوال منها، تحتوي عادة على مقدمات تختلف طولاً وقصراً مع استطرادات، قبل الانتقال إلى الموضوع أو الموضوعات التي تشكل قوام السورة".

ثم قال: "أما سورة الأحزاب، فيبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه .. "

هذا هو أسلوب الجابري، أسلوب التشكيك في قالب "البحث العلمي" والعبارات الموهمة، (يبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه، ما يمكن قوله على سبيل التخمين لا غير، هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة .. وهكذا).

وقد رتب جزأه الثاني (فهم القرآن الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول) على ما أسماه ترتيب النزول، وههنا أمر يجب التفطن له وهو:

إن كان العلماء قد اختلفوا في ترتيب السور على ثلاثة أقوال معروفة لا يكاد يخلو منها كتاب في علوم القرآن، وهي:

القول الأول: أن ترتيب السور على ما هو عليه الآن لم يكن بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان باجتهاد من الصحابة. وينسب هذا القول إلى جمهور العلماء منهم مالك والقاضي أبو بكر فيما اعتمده من قوليه.

القول الثاني: أن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه صلى الله عليه وسلم.

القول الثالث: أن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وترتيب بعضها الآخر كان باجتهاد من الصحابة.

وقد ذهب إلى هذا الرأي فطاحل من العلماء ولعله أمثل الآراء -كما قال صاحب مناهل العرفان-.

قال السيوطي ما نصه: "الذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءة سور أولا على أن ترتيبها كذلك، وحينئذ فلا يرد حديث قراءة النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز" اهـ.

وقال الزرقاني رحمه الله في مناهل العرفان: والأمر على كل حال سهل حتى لقد حاول الزركشي في البرهان أن يجعل الخلاف من أساسه لفظيا.

إلا أنه سواء كان ترتيب السور توقيفيا أم اجتهاديا فإنه ينبغي احترامه خصوصا في كتابة المصاحف، لأنه عن إجماع الصحابة والإجماع حجة، ولأن خلافه يجر إلى الفتنة ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب.

إن النتيجة التي خرج بها الجابري في جزئه الثاني "من مصاحبة هذه التفاسير مدة من الزمن، مستعينا بالحاسوب وما يرتبط به من مكونات ووسائل تمكن مستعملها من الجولة في الكتب بسهولة، مهما كبر حجمها وتعددت مجلداتها .. هي أن المكتبة العربية الإسلامية تفتقد إلى تفسير يستفيد من عملية الفهم من جميع التفاسير السابقة ويعتمد ترتيب النزول".

وأضاف: "يمكن القول دون فخر زائد ولا تواضع زائف، إنه لأول مرة أصبح ممكنا عرض القرآن ومحاولة فهمه بكلام متصل مسترسل يشد بعضه بعضا، كلام يلخص مسار التنزيل ومسيرة الدعوة في تسلسل يرضي النزوع المنطقي في العقل البشري".

فعلا لأول مرة تمكنا فيها من رؤية مزيج من كتب تفسير أهل السنة وأهل الكلام والبدع، مزيجا وخليطا استحال تجانسه بين دعوة الحق ودعوة الباطل.

فمن تلبيساته في هذا القسم حشره -بعد ذكر مرويات حول الجن لها علاقة بالقرآن- أحاديث صحيحة بعضها في صحيح مسلم وبعضها في السنن في "جنس الإسرائيليات التي غصَّت بها كتب المفسرين"، وخلوصه بعد نقله كلاما طويلا للرازي في الموضوع إلى رأي المعتزلة الذين وصفهم -كعادة كافة العلمانيين- بأنهم "ذووا الاتجاه العقلاني في فهم الدين الإسلامي"، إلى "أن الجن كالملائكة أجسام لطيفة وحية أي عضويات ( Organismes) دقيقة جدا فيها حياة فهي أشبه بالكائنات الروحية ولكنها لا تستطيع القيام بأفعال شاقة، أما الأشاعرة فيتصورونها جواهر فردة، أي أجزاء لا تتجزأ ( Substances Indivisibles) حاملة للأعراض كالحياة والحركة .. إلخ، يخلق فيها الله القدرة على فعل الشاق وغير الشاق. اهـ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير