ومعلوم عند كل باحث في مجال علوم القرآن والتفسير مآخذ العلماء والمحققين على تفسير الرازي "مفاتيح الغيب"؛ كتوسعه في ذكر مسائل علم الكلام، والفلسفة، والعلوم الطبيعية والرياضية، التي لا علاقة لها بموضوع التفسير إلا بشيء غير يسير من التكلف والتأويل البعيد، والتعرض لمثل هذه الأمور مما يجلُّ عنه كتاب الله سبحانه.
ومن بين المآخذ التي سجلها العلماء حول هذا التفسير ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله: "وكان يُعاب بإيراد الشبهة الشديدة، ويقصِّر في حلِّها" وهذا ملاحظ بالفعل في هذا التفسير؛ إذ يورد الرازي شُبه المخالفين على غاية ما يكون الإيراد، حتى قيل: إنه يقرر مذهب خصمه تقريرًا بحيث لو أراد خصمه تقريره لم يقدر على الزيادة عليه .. لكنه عندما يعود لتقرير ما هو الحق في المسألة نجده يضعف، ولا يوفي الرد حقه. ولأجل هذا كان بعضهم يتهم الرازي في دينه، ويشكك في عقيدته"، ووصف بعض العلماء تفسيره فقال: "فيه كل شيء إلا التفسير".
فالجابري له أصل عرف به في جل كتبه، ظل وفيا له في مؤلفه الأخير أيضا، وهو سوقه ما يسعفه من روايات الفرق الضالة المنتسبة للإسلام، كالرافضة والمعتزلة والجهمية .. ، في سياق واحد مع دعوة أهل الحق -أهل السنة والجماعة-، من غير بيان أو إيضاح، ليَلبِس بذلك الحق بالباطل، وهو عين ما صرح به في كتابه التراث والحداثة (ص:260) بقوله: "يمكن أن نمارس النقد اللاهوتي من خلال القدماء، يعني نستطيع بشكل أو بآخرَ استغلال الحوار الذي دار في تاريخنا الثقافي ما بين المتكلمين بعضهم مع بعضٍ، ونوظِّفَ هذا الحوار، لنا حرمات يجب أن نحترمها حتى تتطور الأمور، المسألة مسألة تطور".
لقد وصف الدكتور يوسف نور عوض كتاب الجابري بأنه نوع من الكتب التي يوهم القارئ بأنه يتحدث في أمور خطيرة ويتناولها بطريق علمية وموضوعية، ولكن المتأمل فيه يدرك أن الكتاب فارغ المضمون، وأنه مليء بالمغالطات والآراء غير العلمية بعكس الدعاية الكبيرة له.
وأن أمثاله -أصحاب اتجاه النقل المقصود به الهدم- يزعمون أنهم يناقشون قضايا المجتمع العربي الإسلامي من منظور علمي مع أنهم في الحقيقة يحاولون عمداً هدم الإسلام من الداخل، ذلك أن معظم الكتاب العرب الذين بدأوا يستخدمون هذا المنهج، لم يحاولوا في الواقع نقد المنهج ذاته بل استخدموه بأقصى درجات التطرف من أجل تفتيت كيان الأمة الثقافي. تارة تحت اسم (سوسيولوجيا المعرفة) وأخرى تحت اسم (سوسيولوجيا النقد).
وفي انتظار القسم الثالث الذي سيتناول فيه الجابري "تفسير" السور المدنية والتي لا مناص له فيها من الحديث عن جانب التشريع والحكم والسياسة وغيرها من الأمور، لا يحق لنا أبدا أن نلدغ من جحر مرارا متعددة، وأن نسمح لأي كان أن يشككنا في ديننا، أو يزعزع عقيدتنا في القرآن، ويخلط علينا الأمور ويلبسلها علينا".
وهذا رابط المقال في الجريدة المذكورة:
http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=19153
ـ[ضيف الله الشمراني]ــــــــ[02 Mar 2010, 09:02 م]ـ
جزاك الله خيرا ..
ويراجع كتاب: الشبه الاستشراقية في كتاب مدخل إلى القرآن الكريم، للدكتور محمد عابد الجابري ـ رؤية نقدية ـ لعبد السلام البكاري، والصديق بوعلام.
ولعل الإخوة يتفضلون بالإفادة عن الكتب التي تناولت فكر الجابري بالنقد والدراسة.
ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[02 Mar 2010, 11:14 م]ـ
قدمت في الماجستير بحثا صغير بعنوان (القراءات عند الجابري من خلال كتابه المدخل)
وجمعت النصوص التي تعتبر (مثار إشكالية) كالتي نقلها الكاتب، وخرجت بأمر:
وهو أن الجابري في المرحلة الحالية إما:
1ـ أسلووب التشكيك والذي ينتظر من (يثيره) مع الأيام، أو على الأقل يجد له من
خلاله (مطعن) أي (قنبلة موقوته).
2ـ وإما في مرحلة انتقالية إلى (تحسن تراجع) عن كثير مما كان يتبناه ويراه ..
ولا عجب في ذلك فالرجل صاحب ذكاء وفطنة ونقد ... ونصوص أهل العلم فيها
من الإخلاص ما يجعل (مريض القلب) يتشافى حين يقرأها ...
وبالتالي يختلف الحال في التعامل معه (بناء على ظني على حسب المرحلتين):
ففي الاجتمال الأول: يحسن جمع النصوص (التشكيكية) والجواب عنها ونقدها.
وفي الاحتمال الثاني: الأفضل أن (يحتوى) من قبل أهل العلم ويمد جسور صلة.
والله أعلم
¥