تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما وصف الدكتور عمر فروخ كتابات نولدكه بشكل مطلق بأنها "يصعب أن يكون فيها تشويه وأن يقصد بها ضرر مباشر" وقدم وصفا جزئياً عن كتاب تاريخ القرآن تحديدًا.وأشار الدكتور سامي الصقار إلى رسالة نولدكه للدكتوراة (حول نشأة وتركيب السور القرآنية) التي تمثل البدايات الأولى لكتابه (تاريخ القرآن) مكتفياً بما نقله عن نجيب العقيقي من أنها "كانت من الإتقان لدرجة أنها حازت على جائزة مجمع الآداب في باريس عام 1858م وقد وسعها ونشرها في عام 1860م "

وقال: من هنا أيضاً تأتي أهمية هذه الدراسة التي تنشرها اليوم لجنة إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي بقطر، فهي إلى جانب كونها أولى الدراسات العربية عن هذا الكتاب المهم؛ فهي أيضاً تسهم في تقييم موضوعي لكتاب نولدكه: (تاريخ القرآن) بعيدًا عن الافتتان بالحضور الطاغي لشخصيته أو الأحكام المطلقة التي قوبل بها كتابه وذلك في دراسة رصينة لباحث متميز حاز إعجاب المناقشين له ومنهم المستشرق الألماني "ناجل".

ومما تغافل عنه كثير ممن افتتن بكتاب (نولدكه) أن نولدكه نفسه قد نقد كتابه وأشار لبعض سلبياته فقد نشر نولدكه كتابه (تاريخ القرآن) كطبعة أولى باللغة الألمانية سنة 1860م، وعرض عليه الناشر عام 1898م أن يعيد نشره باللغة الألمانية كطبعة ثانية؛ لكن نولدكه رفض لأسباب عديدة لم يذكرها، واقترح أن ينهض بهذا تلميذه (شفاللي). وساق الباحث الدكتور رضا الدقيقي عدة أدلة وقرائن تؤكد بأن نولدكه لم يكن راضياً عن كتابه (تاريخ القرآن) بل أن نولدكة وبعد أن انتهى (شفاللي) من معالجة الطبعة الثانية من القسم الأول من كتاب نولدكه في أغسطس 1909م كتب نولدكه مقدما لها؛ فاعترف أن السلبيات الفكرية مازالت على حالها؛ فالتهور في الأحكام ما زال موجودًا، وكثيرا مما كان يجزم نولدكه بصحته في الكتاب؛ ظهر له فيما بعد أن صحته غير مؤكدة؛ فقال نولدكه:" لقد جعل (شفاللي) هذا الكتاب الذي كتبته بتعجل قبل نصف قرن متناسباً بقدر الإمكان مع المقتضيات العلمية المعاصرة، وأقول - والكلام لنولدكه -: بأن آثار تهور الشباب لم تمح بالكامل؛ وإلا لنشأ عمل جديد. إن كثيرًا من المسائل التي اعتقدت وقتئذ صحتها – بكثير الجزم أو قليله- بدت لي فيما بعد غير مؤكدة الصحة " أهـ. وهذا الاعتراف يُحسب لنولدكه ويبين أنه كان على قدر كبير من الإنصاف - بحسب ما سمحت له ثقافته ونشأته - فإن نولدكه حصل بسبب هذا الكتاب على جائزة كبرى كما رأينا، وكان الكتاب سبباً رئيساً في تبوئه المكانة الرفيعة التي نالها بين المستشرقين وغيرهم. ومع ذلك لم يأنف أن يصدر منه هذا الاعتراف دون أن يأبه لعواقبه. وهذا الاعتراف من نولدكه؛ وإن كان يرفع من قدره كعالم متواضع لا يغره جهل غيره به عن علمه بنفسه؛ إلا أنه كان ينبغي أن يبرر إعادة النظر من قِبل باحثي الدراسات الإسلامية في كثير من النتائج التي توصل إليها الكتاب، لا سيما أن مؤلفه لم يحدد ما هي المسائل التي رأى فيما بعد أن نتائجها كانت تهوُّرًا، أو التي ظهر له فيما بعد أن صحتها غير مؤكدة. كما أن نولدكه قد سئل وقد شارف على التسعين إن كان قد شعر بالندم؟ فقال: (إذا كان من ندم فلأنني درست علوماً لم أظفر منها في النهاية بنتائج حاسمة قاطعة) ولاشك أن دراسته لتاريخ القرآن كانت من هذه العلوم إذ لم يهتد بها إلى الحق والنور الذي بعث الله به خاتم النبيين.

ولأن هذا الكتاب كان وما زال يحتل مكانة كبيرة لدى باحثي الدراسات الإسلامية كما بيّنّا؛ فقد كان واجباً على الباحثين في هذا المجال – خاصة الألمان- أن يعيدوا قراءته من جديد بشكل نقدي يدفعهم لذلك تحقيق رغبة أستاذهم على أقل تقدير.

ويقول الدكتور رضا الدقيقي:"ولأكون أمينا مع نفسي كما علمني الإسلام؛ فإني أبين أني أفعل ذلك في المقام الأول بهدف النقاش الهادئ والموضوعي للقضايا التي أثارها نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) بشأن العقيدة الإسلامية، ولا أدري إن كان في ذلك تحقيق لرغبة نولدكه أو لا؛ إذ الوحيد القادر على أن يقرر هو نولدكه نفسه؛ لكن الموت حال بينه وبين أي قرار كما حال من قبل بينه وبين أي تصحيح ... ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير