تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، فهو تفسير يتسق مع ما قلته لزميلى فى ذلك النقاش الذى أتحدث عنه، إذ قال ذلك العلامة الكبير ما معناه أن من سوف يصلى جهنم ممن لم يؤمنوا بالإسلام هو من تبين له الهدى لكنه عاند وكفر كبرا أو خوفا على مصلحة شخصية زائلة أواتباعا لشهوة دنيوية أو تطلعا إلى كسب مال أو إحراز منصب أو ما إلى ذلك. أما من لم يتبين له الهدى لأنه لم يسمع بالإسلام، أو سمع به لكن على نحو مشوه من شأنه أن ينفر الناس منه، أو اجتهد وفكر لكن حالت ظروفه دون تبين الهدى، فإنه لا يشمله هذا الوعيد. ويدخل فى ذلك على سبيل المثال الأمم التى لم تصلها دعوة الإسلام أصلا، أو وصلت إليها على غير حقيقتها فنفرتها منه، أو وصلت إليها على حقيقتها إلا أنها لم تستطع أن تبصر نور الهداية لسبب أو لآخر رغم إخلاص النية والتجرد فى البحث عن الحق.

وهذا الذى قاله شلتوت، رضى الله عنه، ليس رأيا ينفرد وحده به، فعلى سبيل المثال يقول الإمام الغزالى فى كتابه: "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" إن "من كذَّبه (صلى الله عليه وسلم من الأمم الأخرى) بعدما قرع سمعه بالتواتر عن خروجه وصفته ومعجزاته الخارقة للعادة، كشق القمر وتسبيح الحصا ونبع الماء من بين أصابعه والقرآن المعجز الذي تحدى به أهل الفصاحة وعجزوا عنه ... فإن اشتغل بالنظر والطلب ولم يقصر، فأدركه الموت قبل تمام التحقيق، فهو مغفور له ثم له الرحمة الواسعة. فاسْتَوْسِعْ رحمة الله الواسعة، ولا تَزِنِ الأمور الإلهية بالموازين المختصرة الرسمية. واعلم أن الآخرة قريب من الدنيا: فـ"ما خَلْقُكم ولا بَعْثُكم إلا كنفسٍ واحدة". فكما أن أكثر أهل الدنيا في نعمة وسلامة، أو في حالة يُغْبَطها، إذ لو خير بينها وبين الإماتة والإعدام مثلا لاختارها، وإنما المعذب الذي يتمنى الموت نادر، فكذلك المخلدون في النار بالإضافة إلى الناجين والمخرجين منها في الآخرة نادر. فإن صفة الرحمة لا تتغير باختلاف أحوالنا، وإنما الدنيا والآخرة عبارتان عن اختلاف أحوالك. ولولا هذا لما كان لقوله عليه الصلاة والسلام معنى حيث قال: أوّلُ ما خطّ اللهُ في الكتاب الأوّلِ: أنا الله، لا إله إلا أنا. سبقت رحمتي غضبي. فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فله الجنة".

ويقول الإمام الرازى صاحب "مفاتيح الغيب" فى المسألة الخامسة من مسائله فى تفسير آية سورة "النساء" المذكورة آنفا، ولكن على نحو موجز، إن "الآية دالة على أنه لا يمكن تصحيح الدين إلا بالدليل والنظر والاستدلال، وذلك لأنه تعالى شَرَط حصول الوعيد بتبين الهدى. ولو لم يكن تبين الهدى معتبرا في صحة الدين لم يكن لهذا الشرط معنى". وفى تفسير ابن كثير: "قوله: "وَمَن يُشَاقِقِ ?لرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ?لْهُدَى?": أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق، والشرع في شق، وذلك عن عَمْدٍ منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له ... ". حتى سيد قطب، الذى قيل فيه ما قيل، يكتب بملء قلمه أنه "قد اقتضت رحمة الله بالناس ألا يحق عليهم القول ولا يَصْلَوْا جهنم وساءت مصيرا إلا بعد أن يرسل إليهم رسولا، وبعد أن يبين لهم، وبعد أن يتبينوا الهدى ثم يختاروا الضلالة. وهي رحمة الله الواسعة الحانية على هذا المخلوق الضعيف. فإذا تبين له الهدى، أي إذا علم أن هذا المنهج من عند الله، ثم شاقّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم فيه، ولم يتبعه ويطعه، ولم يرض بمنهج الله الذي تبيَّن له، فعندئذ يكتب الله عليه الضلال، ويوليه الوجهة التي تولاها، ويلحقه بالكفار والمشركين الذين توجه إليهم. ويحق عليه العذاب المذكور في الآية بنصه: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم. وساءت مصيرا" ... ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير