تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصِّنْفُ الاوَّلُ: مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى بِالْبُرْهَانِ الصَّحِيحِ، وَوَصَلَ فِيهِ إِلَى حَقِّ الْيَقِينِ. وَهَذَا لا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ اعْتِقَادًا، وَيَنْدُرُ جَدًا أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ عَمَلاً. وَلِلاسْتَاذِ الامَامِ كَلِمَةٌ فِيهِ كَالْيَقِينِ فِي الْحَقِّ كِلاهُمَا قَلِيلٌ فِي النَّاسِ، وَهُوَ يَعْنِي الرُّجُوعَ بِالْعَمَلِ، إِذِ الانْسَانُ يَمْلِكُ مِنْ عَمَلِهِ مَا لا يَمْلِكُ مِنَ اعْتِقَادِهِ. فَمَنْ كَانَ مُوقِنًا بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لا يَكُونُ إِلَهًا وَلا شَرِيكًا لِلَّهِ يُؤَثِّرُ فِي إِرَادَتِهِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ لَوْلاهُ لا يَسْتَطِيعُ بَعْدَ الْيَقِينِ الْحَقِيقِيِّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمَسِيحَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ عُبِدَ وَمِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ آلِهَةٌ أَوْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَطِيعُ وَيَدْخُلُ فِي إِمْكَانِهِ أَنْ يَدْعُوَهَا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ، وَأَنْ يَعْبُدَهَا بِغَيْرِ الدُّعَاءِ أَيْضًا كَالتَّمَسُّحِ بِهَا وَالتَّعْظِيمِ الَّذِي يَعُدُّهُ أَهْلُهَا مِنْ شَعَائِرِ الْعِبَادَاتِ، لا مِنْ عُمُومِ الْعِبَادَاتِ. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَاتِهَا لا يَفْعَلُهُ. أَيْ لا يَرْجِعُ عَنِ الْحَقِّ بِالْعَمَلِ إِلا أَنْ يَكُونَ لِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ السَّبَبِ، وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: مَنْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى بِالدَّلائِلِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَرْجُحُ بِهَا بَعْضُ الاشْيَاءِ عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ أَفْهَامِهِمْ وَعُقُولِهِمْ لا بِالْبُرْهَانِ الْمَنْطِقِيِّ الْمُؤَلَّفِ مِنَ الْيَقِينِيَّاتِ الْبَدِيهِيَّةِ أَوِ الْمُنْتَهِيَةِ إِلَيْهَا. وَهَؤُلاءِ لا يَرْجِعُونَ عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلالِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْهُدَى بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ، إِذْ يَكْفِي أَنَّهُمْ مُعْتَقِدُونَ بِهِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، فَلا يُشَاقّون مَنْ جَاءَهُمْ بِذَلِكَ وَلا يَتَّبِعُونَ غَيْرَ سَبِيلِ أَهْلِهِ إِلا لِسَبَبٍ يَقِلُّ وُقُوعُهُ كَمَا سَيَأْتِي.

الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى تَقْلِيدًا لِمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنَ النَّاسِ كَآبَائِهِ وَخَاصَّةً أَهْلَهُ وَرُؤَسَاءَ قَوْمِهِ. وَهَذَا لا يَدْخُلُ فِيمَنْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ وَالْهُدَى لانَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ. وَلِذَلِكَ يَتْرُكُونَ الْهُدَى إِلَى كُلِّ مَا يُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ رُؤَسَاؤُهُمْ مِنَ الْبِدَعِ وَالضَّلالاتِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ وَالادْيَانِ.

الصِّنْفُ الرَّابِعُ: مَنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْهُدَى لانَّهُ نَشَأَ عَلَى تَقْلِيدِ أَهْلِ الضَّلالِ، فَلَمَّا دُعِيَ إِلَى الْهُدَى لَمْ يَنْظُرْ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ الَّذِي دُعِيَ إِلَى دِينِهِ وَلا تَأَمَّلَ فِي دَلِيلِهِ لانَّهُ صَدَّقَ الرُّؤَسَاءَ الَّذِينَ قَلَّدَهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لِلاسْتِدْلالِ، وَأَنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَالِهِ النَّظَرَ فِي الادِلَّةِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَلِّدُوا أَهْلَ الاجْتِهَادِ وَمَنْ يَنْقُلُ إِلَيْهِمْ مَذَاهِبَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ. فَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا لَقِيَ اللهَ سَالِمًا، وَمَنْ نَظَرَ وَاسْتَدَلَّ زَلَّ وَضَلَّ. وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي زَمَنِ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الادْيَانِ الْمُدَوَّنَةِ كَالْمَجُوسِ. وَأَمْثَالُ هَؤُلاءِ إِذَا تَرَكَ رُؤَسَاؤُهُمْ دِينَهُمْ أَوْ مَذْهَبَهُمْ يَتْبَعُونَهُمْ فِي الْغَالِبِ، وَلا سِيَّمَا إِذَا دَخَلُوا فِي مَذْهَبٍ أَوْ دِينٍ جَدِيدٍ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِهِ عَدَاوَاتٌ دِينِيَّةٌ وَلا سِيَاسِيَّةٌ تُنَفِّرُهُمْ تَنْفِيرًا طَبِيعِيًّا. وَلِذَلِكَ دَعَا النَّبِيُّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير