تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصِّنْفُ الْعَاشِرُ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالْهُدَى الْبَتَّةَ. وَهُمُ الَّذِينَ يُعَبِّرُ عَنْهُمْ بَعْضُهُمْ بِأَهْلِ الْفَتْرَةِ. وَمَذْهَبُ الاشَاعِرَةِ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ وَنَاجُونَ.

هَذِهِ هِيَ أَصْنَافُ النَّاسِ فِي الْهُدَى وَالضَّلالِ، بِحَسَبِ مَا خَطَرَ لِلْفِكْرِ الْقَاصِرِ الآنَ. وَلا يَصْدُقُ عَلَى صِنْفٍ مِنْهَا أَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى إِلا الأوَّلَ وَالثَّانِي. فَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ أَفْرَادِهِمَا فِي حَيَاتِهِ، أَوْ يُعَادِ سُنَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْهُدَى، وَإِنَّمَا سَبِيلُهُمْ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: "نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"،. وَهُوَ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةٍ أُخْرَى: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ" (45: 23). وَهُمْ أَجْدَرُ النَّاسِ بِدُخُولِ جَهَنَّمَ، وَصَلْيُهَا الاحْتِرَاقُ بِهَا وَسَائِرُ أَنْوَاعِ عَذَابِهَا، لانَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، وَعَانَدُوا الْحَقَّ وَاتَّبَعُوا الْهَوَى.

وَأَمَّا سَائِرُ الاصْنَافِ فَيُوَلِّي اللهُ كُلا مِنْهُمْ مَا تَوَلَّى أَيْضًا كَمَا هِيَ سُنَّتَهُ فِي الانْسَانِ الَّذِي خَلَقَهُ مُرِيدًا مُخْتَارًا حَاكِمًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الطَّبِيعَةِ الْمُحِيطَةِ بِهِ، بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا التَّصَرُّفَ الَّذِي يَرَاهُ خَيْرًا لَهُ. وَلِذَلِكَ غَيَّرَ فِي أَطْوَارٍ كَثِيرَةٍ أَحْوَالَ مَعِيشَتِهِ وَأَسَالِيبَ تَرْبِيَتِهِ، وَسَخَّرَ قُوَى الطَّبِيعَةِ الْعَاتِيَةِ لِمَنَافِعِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (45: 13). فَهُوَ مُرَبِّي نَفْسِهِ وَمُرَبِّي الطَّبِيعَةِ الَّتِي أَلَّهَهَا بَعْضُ أَصْنَافِهِ جَهْلا مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ لا مُتَصَرِّفَ فَوْقَهُ فِي هَذِهِ الارْضِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الارْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. أَقُولُ هَذَا نَسْفًا لأسَاسِ جَبْرِيَّةِ الْفَلْسَفَةِ الاورُبِّيَّةِ الْحَاضِرَةِ بَعْدَ نَسْفِ أَسَاسِ جَبْرِيَّةِ الْفَلْسَفَةِ الْغَابِرَةِ، هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ مَا يُسَمُّونَهُ: "الافْعَالَ الْمُنْعَكِسَةَ" تَعْمَلُ فِي الانْسَانِ عَمَلَهَا وَأَنَّهُ لا عَمَلَ لَهُ بِهَا. وَالصَّوَابُ أنََّهُ حَاكِمٌ عَلَيْهَا كَحُكْمِهَا عَلَيْهِ: فَإِنْ تَرَكَ لَهَا الْحُكْمَ اسْتَبَدَّتْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَفِيهَا فَعَلَ.

قُلْتُ: إِنَّ مِنْ سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي الانْسَانِ أَنْ يُوَلِّيَ كُلاًّ مِنَ الاصْنَافِ مَا تَوَلَّى، وَلَكِنَّهُ لا يُصْلِي كُلا مِنْهُمْ جَهَنَّمَ الَّتِي سَاءَ مَصِيرُهَا لانَّ إِصْلاءَ جَهَنَّمَ هُوَ تَابِعٌ لِمَا يَتَوَلاهُ الانْسَانُ مِنَ الضَّلالَةِ فِي اعْتِقَادِهِ. وَنَاهِيكَ بِهِ إِذْ تَوَلاهَا بَعْدَ أَنْ ظَهَرَتِ الْهِدَايَةُ لَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِمَا تَكُونُ عَلَيْهِ النَّفْسُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الطَّهَارَةِ وَالزَّكَاءِ وَالْكَمَالِ بِحَسَبِ تَزْكِيَةِ صَاحِبِهَا لَهَا، أَوْ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَدْسِيَتِهِ لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير