تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَمَّا السَّبَبُ الَّذِي يَحْمِلُ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى عَلَى تَرْكِهِ فَهُوَ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَالاً مِنَ الاحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ الْقَوِيَّةِ كَالْحَسَدِ وَالْبَغْيِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالْكِبْرِ وَالشَّهْوَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى الْعَقْلِ وَالْعَصَبِيَّةِ لِلْجِنْسِ. وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ فِيهِ اتِّبَاعُ هَوَى النَّفْسِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ بَعْضَ أَحْبَارِ الْيَهُودِ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ صِدْقَ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَلَّوْا عَنْهَا حَسَدًا لَهُ وَلِلْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِيثَارًا لِرِيَاسَتِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مَرْؤُوسِينَ فِي غَيْرِهِمْ. وَارْتِدَادُ جَبَلَةُ بْنُ الايْهَمِ عَنِ الاسْلامِ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ يُسَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَطَمَهُ مِنَ السُّوقَةِ. وَارْتَدَّ أُنَاسٌ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ دِينِهِمْ لافْتِتَانِهِمْ بِبَعْضِ النِّسَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَيْ عِلَّةُ تَأْثِيرِ هَذِهِ الاسْبَابِ فِي نُفُوسِ بَعْضِ النَّاسِ، هِيَ ضَعْفُ النَّفْسِ وَمَرَضُ الارَادَةِ بِجَرَيَانِ صَاحِبِهَا مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ عَلَى هَوَاهُ، وَعَدَمِ تَرْبِيَتِهَا عَلَى تَحَمُّلِ مَا لا تُحِبُّ فِي الْعَاجِلِ لاجْلِ الْخَيْرِ الآجِلِ. وَهَذَا هُوَ مُرَادُنَا مِنْ إِرْجَاعِ جَمِيعِ الاسْبَابِ إِلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَهُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الانْسَانَ مَفْطُورٌ عَلَيْهِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْفَعُ. وَصَاحِبُ الْهَوَى الْمُتَّبَعُ لا يَتَمَثَّلُ لَهُ النَّفْعُ الاجِلُ كَمَا يَسْتَحْوِذُ عَلَيْهِ النَّفْعُ الْعَاجِلُ لِضَعْفِ نَفْسِهِ وَمَهَانَتِهَا وَعَجْزِهَا عَنِ الْوُقُوفِ فِي مَهَبِّ الْهَوَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمِيلَ مَعَهُ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ مَدَّ سِمَاطًا عَامًّا لِلنَّاسِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، فَرَأَى فِيهِمْ أَعْرَابِيًّا يَأْكُلُ بِشَرَهٍ شَدِيدٍ. فَلَمَّا جَاءَتِ الْحَلْوَى تَرَكَ الطَّعَامَ وَوَثَبَ يُرِيدُهَا، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ سَيَّافَهُ أَنْ يُنَادِيَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَلْوَى قُطِعَتْ عُنُقُهُ بِأَمْرِ الامِيرِ! وَالْحَجَّاجُ يَقُولُ وَيَفْعَلُ. فَصَارَ الاعْرَابِيُّ يَنْظُرُ إِلَى السَّيَّافِ نَظْرَةً، وَإِلَى الْحَلْوَى نَظْرَةً، كَأَنَّهُ يُرَجِّحُ بَيْنَ حَلاوَتِهَا وَمَرَارَةِ الْمَوْتِ. وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ ظَهَرَ لَهُ وَجْهُ التَّرْجِيحِ، فَالْتَفَتَ إِلَى الْحَجَّاجِ وَقَالَ لَهُ: "أُوصِيكَ بِأَوْلادِي خَيْرًا"، وَهَجَمَ عَلَى الْحَلْوَى وَأَنْشَأَ يَأْكُلُ، وَالْحَجَّاجُ يَضْحَكُ، وَهُوَ إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِبَارَهُ".

أما الذى أثار كل ذلك الآن فهو محاضرة صادفتها على المشباك كان برتراند رَسِلْ قد ألقاها بتاريخ السابع من مارس للعام 1927م فى الجمعية المسماة: " National Secular Society" بلندن، وشن فيها على المسيحية والكنيسة ورجال الدين المسيحيين حملة كاسحة بسط من خلالها القول فى الأسباب التى حملته على الكفر بذلك الدين بعدما كان واحدا ممن يؤمنون به. وكان اصطدامى بتلك المحاضرة على غير ترتيب منى حين كنت أنكش فى المشباك بحثا عن شىء لا أذكر الآن ما هو. وقد وجدتها أولا فى ترجمة عربية منشورة فى أحد المواقع المشباكية لشخص رمز لنفسه باسم "زمكان" (نحتًا، فيما يبدو، من كلمتى "الزمان" و"المكان")، ثم بحثتُ عن الأصل الإنجليزى وراجعته على الترجمة المذكورة فألفيتها فى كثير من الأحيان ترجمة تقريبية، وفى بعض الأحيان الأخرى تخطئ أخطاء غير هينة. ولهذا نحيتها جانبا وشرعت أترجم النصوص التى أريد الاستشهاد بها بنفسى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير