تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأول ما لفت نظرى فى كلام رَسِلْ تعريفُه للمسيحى فى بداية المحاضرة، إذ قال: "وكما يشير لفظ "مسيحى" ضمنا فإنه يتعين عليك أن تؤمن بأشياء معينة بالنسبة إلى المسيح. فالمسلمون مثلا يؤمنون بالله والأبدية، ولكن لا يمكن أن يُسَمَّوْا: مسيحيين. ذلك أنه يجب، ولو بشكل طفيف، أن تؤمن بأن المسيح، إن لم يكن إلها، فهو أكثر الرجال حكمة على مر التاريخ. فإذا لم تؤمن بألوهيته أو حكمته المطلقة على الأقل فإنك لست بمسيحى، ولا تملك الحق فى أن تسمى بهذا الاسم". ومن الواضح أن رَسِلْ يشير هنا إلى أن المسيحية ليست بالضرورة المسيحية التثليثية، التى تؤله المسيح عليه السلام وتؤمن بصلبه فداء للبشر من خطيئة آدم الأولى، إذ الواقع أن هذه ليست سوى فرقة واحدة من فرق المسيحية، وليست كل المسيحية، علاوة على أنها ليست أقدم تلك الفرق ولا هى بالفرقة الأصيلة، وإن كان لها الآن الانتشار الواسع دون المسيحية الموحدة التى لا ترى فى المسيح عليه السلام سوى رسول لا يتجاوز وضعه بالنسبة إلى الله عز وجل وضع العبودية.

ثم يمضى رَسِلْ فيشير سريعا إلى ما يعرفه تاريخ تلك الديانة التثليثية من استحداث عقائد لم تكن موجودة من قبل، ثم أُوجِدَتْ بفعل فاعل بشرى عن طريق المجامع والمجالس، وحَذْف عقائد كانت موجودة ثم أُبْعِدَتْ وطُمِسَتْ، وكأن الدين اختراع إنسانى يستطيع البشر أن يغيروا فيه ويبدلوا كلما عَنَّ لهم ذلك، وليس وحيا سماويا لا يحق لهم أن يتلاعبوا به على أى وضع من الأوضاع. قال: "كان المسيحي القديم يؤمن بالجحيم. إنه يؤمن بنار أبدية كانت تشكل إيمانا أساسيا وجوهريا لدى كل مسيحي حتى أوقات قريبة جدا. وفي هذا البلد (يقصد بريطانيا)، وكما تعلمون، أصبح الإيمان بالنار الأبدية شيئا غير أساسي في المعتقد المسيحي بعد القرار الصادر من مجلس الملكة. وبعد هذا القرار كان مطران كانتربري ومطران يورك قد أعلنا معارضتهما لهذا القرار الملكي. ولكن في بلدنا يتم تحريك الدين عبر القرارات البرلمانية، ولهذا فقد كان المجلس الملكي قادرا على أن يسيطر على المسيحية، وأن يتم إلغاء الإيمان بالنار كجزء أساسي من معتقدات المسيحيين".

وعلى الرغم من أن رَسِلْ إنما ألقى محاضرته أساسا للاعتراض على المسيحية وتوضيح الأسباب التى حملته على الكفر بها فإنه قد تعرض لقضية الوجود الإلهى، وكان قاطعا فى إنكار ذلك الوجود، الذى بدون الإيمان به لا يمكن أن يكون المرء مسلما، إذ لا تختص هذه القضية بالمسيحية وحدها، وإن كان مفهوم الإله عندنا يختلف عن مفهومه عند المسيحيين التثليثيين ذوى الأغلبية الآن. لكن رَسِلْ، حين تناول تلك القضية، لم يتناولها من الوجهة المسيحية كى نقول إن كلامه لا يلزمنا، بل أنكر الله إنكارا مطلقا دون التطرق إلى القول بأنه إنما ينكر ألوهية عيسى وحدها، فقد أكد أننا "إذا أردنا أن نقترب من السؤال المتعلق بوجود الله فسنجده سؤالا ضخما وخطيرا. وإذا كنت أنوى معالجة الأمر بشكلٍ صحيحٍ فيجب أن تسمحوا لي بمعالجته بإيجاز واقتضاب. إنكم تعلمون أن الكنيسة الكاثوليكية قد وضعت الله كمرتكز إيمانى تقوم على أساسه المسيحية، وهذا الإيمان لا يتم التطرق له بالوسائل المنطقية. إن هذه العقيدة تثير الفضول، ورغم هذا تظل عقيدةَ الكاثوليك الرئيسية. لقد اضطُرّوا إلى إنشائها لأنه فى وقت من الأوقات كان المفكرون المتحررون يدخلون فى جدالات شتى سببها البحت هو الله ومحاولة هؤلاء المتحررين نفى وجوده. وهم يعرفون في أعماقهم أن الله موجود فى الإيمان فحسب. ولقد طالت مدة هذه الحوارات وامتدت لوقتٍ ليس بالقصير، وشعرت الكنيسة الكاثوليكية أن الوقت قد حان لإيقاف هذا الجدل. ولهذا أقرّت الكنسية بأن إثبات وجود الله يتم عبر أسباب جدلية، وهي الأسباب التي ظنّوها قادرة على إثبات وجود الله. وهناك عدد كبير من هذه الفرضيات، ولكننى هنا سأستعرض القليل منها".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير