تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عندما كتب مانويل الثاني أطروحته كان على رأس إمبراطورية تحتضر. فقد تبوأ السلطة في سنة 1391، التي لم يكن قد بقي منها سوى بضعة أقاليم من الإمبراطورية التي كانت ذائعة الصيت ذات يوم، والتي أضحت كذلك تحت رحمة التهديد التركي. في ذلك الوقت كان العثمانيون الأتراك قد وصلوا إلى ضفاف الدانوب، واحتلوا بلغاريا وشمال اليونان، وهزموا الجيوش التي كانت قد بعثت بها أوروبا مرتين لإنقاذ الإمبراطورية الشرقية. وفي سنة 1453، وبعد موت مانويل بسنوات قليلة، سقطت القسطنطينة (إستنبول حاليا) بيد الأتراك. وهكذا انتهت الإمبراطورية الذي دامت لأكثر من ألف سنة. وجاب مانويل خلال فترة حكمه عواصم أوروبا للحصول على دعم منها. وكان قد وعد بتوحيد الكنيسة مجددا. ومما لا شك فيه أنه كتب أطروحته الدينية هذه لكي يحرّض الدول المسيحية ضد الأتراك، وليقنعها بشن حملة صليبية جديدة. كان الهدف ذا طابع عملي، وكان الدين يعمل لخدمة السياسة.

لذلك فإن هذا الاستشهاد يخدم مآرب الإمبراطور الحالي جورج بوش الثاني. فهو أيضا يريد أن يوّحد العالم المسيحي ضد "محور الشرّ" المسلم. كما أن الأتراك يقرعون أبواب أوروبا ثانية، لكن بسلام هذه المرة. ومن المعروف أن البابا يؤيد الدول التي تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي. هل توجد أيّ حقيقة في الحجّة التي أوردها مانويل؟ كان البابا نفسه قد ألقى كلمة ليكون في حيطة من أمره. فكونه عالما دينيا جديا ومشهورا فإنه لا يستطيع أن ينقض النصوص المكتوبة ويكذّبها. لذلك اعترف بأن القرآن قد حرّم بوضوحٍ نشرَ العقيدة باستخدام القوة. فقد اقتبس من سورة البقرة، الآية 256 (من الغريب القول بأنه معصوم عن الخطأ بصفته البابا، وأخطأ وقال الآية 257) التي تقول: "لا إكراه في الدين". كيف يمكن للمرء أن يتجاهل مثل هذا التصريح الواضح والجلي؟ لكن البابا يجادل بأن النبي محمدا كان قد جاء بهذه الآية عندما كان لا يزال في بداية رسالته، وكان لا يزال ضعيفا لا حول له ولا قوة، لكنه عندما اشتد عوده أمر أتباعه باستخدام السيف لنشر العقيدة. إلا أن هذا الأمر لم يرد في القرآن. صحيح أن محمد دعا إلى استخدام السيف لمحاربة القبائل التي حاربته وعارضته (مسيحيون ويهود وآخرون) في الجزيرة العربية عندما كان في طور إنشاء دولته. بيد أن هذا كان عملا سياسيا، وليس دينيا. كان في جوهره صراع على الأرض، لا من أجل نشر الدين.

قال المسيح: "من ثمراتهم يُعْرَفون"، إذ يجب الحكم على الطريقة التي عامل فيها الإسلام الديانات الأخرى، وذلك بإجراء اختبار بسيط: فكيف تصرف الحكّام المسلمون منذ أكثر من ألف سنة عندما كانوا يملكون القوة ويستطيعون "نشر الدين بالسيف"؟ حسنا، فهم لم يفعلوا ذلك. فقد دام حكم المسلمين على اليونان قرونا عديدة، لكن هل أصبح اليونانيون مسلمين؟ هل حاول أحد أن يرغمهم على اعتناق الإسلام؟ على العكس فقد تبوأ المسيحيون اليونانيون أعلى المناصب في الإدارة العثمانية، وعاش البلغاريون والصرب والرومانيون والهنغاريون وشعوب دول أوربية أخرى لفترات متفاوتة تحت حكم الدولة العثمانية، وتمسكوا بدينهم المسيحي، إذ لم يرغمهم أحد على اعتناق الإسلام، وظلوا جميعهم مسيحيين أتقياء. صحيح أن الألبانين اعتنقوا الإسلام، وكذلك البوشناق. لكن لا يستطيع أحد أن يدّعي بأنهم اعتنقوا الإسلام بالإكراه، بل اعتنقوه لتكون لديهم حظوة لدى الحكومة وليتمتعوا بخيراتها.

في عام 1099 غزا الصليبيون القدس وأعملوا في سكانها المسلمين واليهود قتلا وذبحا بدون تمييز، وذلك باسم السيد المسيح المتسامح الرقيق الجانب. في ذلك الحين كان قد مضى على احتلال المسلمين لفلسطين 400 سنة، وكان المسيحيون لا يزالون يشكلون غالبية السكان في البلاد. وخلال هذه الفترة الطويلة لم يبذل المسلمون أي جهد لفرض دينهم عليهم. أما بعد أن ُطرِد الصليبيون من البلاد بدأ معظم السكان يتكلمون اللغة العربية وأخذوا يعتنقون الدين الإسلامي، وهم أسلاف معظم فلسطينيي اليوم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير