تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا يوجد أي دليل على الإطلاق على وجود أي محاولة لفرض الإسلام على اليهود. وكما هو معروف تماما فقد نعم يهود أسبانيا، تحت حكم المسلمين، بازدهار لم يتمتع به اليهود في أي مكان من العالم حتى وقتنا هذا تقريبا. فقد نظم شعراء مثل يهودا هاليفي (الشاعر الأندلسي المعروف باسم أبو حسن اللاوي) باللغة العربية، كما كان يفعل الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون العظيم. وفي أسبانيا الإسلامية شغل اليهود مناصب وزراء، وكانوا شعراء وعلماء معروفين. وفي طليطلة الإسلامية كان العلماء المسلمون واليهود والمسيحيون يعملون معا، وقاموا بترجمة النصوص اليونانية الفلسفية والعلمية القديمة. كان ذلك حقا عصرا ذهبيا. فهل من الممكن أن يكون النبي قد أمر "بنشر الدين بالسيف"؟

لكن ما حدث بعد ذلك لهو أشد أثرا في النفس. فعندما احتل الكاثوليك إسبانيا ثانية واستردوها من المسلمين فرضوا عهد الإرهاب الديني، إذ كان أمام اليهود والمسلمين خياران قاسيان لا ثالث لهما: فإما أن يعتنقوا المسيحية أو أن يُقْتَلوا أو يغادروا البلاد. وإلى أين هرب مئات الآلاف من اليهود الذين رفضوا أن يتخلوا عن دينهم؟ لقد اسْتُقْبِلوا جميعهم تقريبا بحفاوة في البلدان الإسلامية، إذ استقر اليهود السيفارديم (الأسبان) في جميع أرجاء العالم الإسلامي: من المغرب غربا وحتى العراق شرقا، ومن بلغاريا (التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية آنذاك) شمالا وحتى السودان جنوبا. ولم يتعرضوا للاضطهاد في أي بقعة انتقلوا إليها، ولم يعرفوا شيئا مثل التعذيب الذي كانت تمارسه محاكم التفتيش، وأعمال الحرق علنا في الساحات العامة، وعمليات القتل والذبح، والطرد الجماعي الفظيع الذي حدث في جميع البلدان المسيحية تقريبا حتى وقوع المحرقة.

لماذا؟ لأن الإسلام حرّم صراحةً ممارسة أيّ اضطهاد على "أهل الكتاب"، فقد كان اليهود والمسيحيون يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع الإسلامي. صحيح أنه لم تكن لهم حقوق متساوية تماما مع السكان المسلمين، إلا أنهم كانوا يتمتعون بجميع الحقوق تقريبا، فقد كانوا يدفعون الجزية، لكنهم كانوا مُعْفَيْنَ من الخدمة العسكرية. وهذه مقايضة لاقت ترحيبا كبيرا لدى الكثيرين من اليهود. وذُكِر أن الحكّام المسلمين كانوا يرفضون أيّ محاولة لجعل اليهود يعتنقون الإسلام حتى بالحسنى لأن ذلك كان سيؤدي إلى خسارة الضرائب التي يدفعونها. لا يمكن لأيّ يهودي صادق يعرف تاريخ شعبه جيدا إلا أن يشعر بالامتنان العميق للإسلام والمسلمين، الذين قدموا الحماية لليهود على مدى خمسين جيلا، في الوقت الذي كان فيه العالم المسيحي يضطهد اليهود، وحاول في أحيان كثيرة "بالسيف" أن يجعلهم يتخلون عن دينهم.

إن قصة "نشر الدين بحد االسيف" أسطورة شريرة وآثمة. إنها إحدى الأساطير التي ظهرت في أوروبا في أثناء قيام حروب كبرى ضد المسلمين: استرداد أسبانيا على يد المسيحيين، الحملات الصليبية، وطرد الأتراك الذين أصبحوا على أبواب فيينا. إني أشكّ في أن البابا الألماني أيضا يؤمن بهذه الخرافات حقا. وهذا يعني أن زعيم العالم الكاثوليكي، الذي يعد عالما في الدين المسيحي عن جدارة، لم يبذل أي جهد في دراسة تاريخ الديانات الأخرى. لماذا قال هذه الكلمات على الملأ؟ ولماذا الآن؟ لا مفر من رؤيتها من زاوية الحملة الصليبية الجديدة التي يشنّها بوش وأتباعه الإنجيليون بشعاراته: "الفاشية الإسلامية"، و"الحرب العالمية على الإرهاب" عندما أصبح "الإرهاب" مرادفا لكلمة المسلمين. فبالنسبة لأعوان بوش فإن هذه مجرد محاولة سافرة لتبرير هيمنتهم على منابع النفط في العالم. فليست هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تنشر فيها عباءة دينية لتغطية عُرْي المصالح الاقتصادية. ليست هذه هي المرة الأولى التي تتحول فيها الحملات اللصوصية إلى حملة صليبية. إن الكلمة التي ألقاها البابا تندرج في هذا المسعى. لكن من يستطيع أن يتنبّأ بالعواقب المريعة؟ ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير