تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حاله تلك حتى يموت. وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة. كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إِرْبًا إِرْبًا. كما تم العثور على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين. وتم العثور على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم" (محمد عبد الله عنان/ نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين، وليونارد باتريك هارفي/ تاريخ الموريسكيين السياسي والاجتماعي والثقافي).

على أننا بعد ذلك كله لا نوافق رَسِلْ فى قوله إن التحمس الدينى وحده وبالذات هو الذى يدفع إلى اضطهاد المخالفين فى الرأى، فالمشكلة فى الإنسان أولا، وإلا فكيف نفسر ضروب الاضطهاد وألوان العسف والترويع فى ظل الفاشية والنازية والشيوعية والاستعمار؟ وكيف نفسر ما صنعته بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال وبلجيكا بشعوب مستعمراتها؟ وكيف نفسر ما تصنعه أمريكا الآن فى العراق وأفغانستان وغيرهما من بلاد العرب والمسلمين؟ إن هذه كلها صور من الاضطهاد السياسى، وهو وضع مروّع كما نرى. وعلى الضفة الأخرى فإن تاريخ الإسلام لم يعرف شيئا من هذا الترويع المنظم لأتباع الأديان الأخرى ولم يخطر له يوما العمل على إبادتهم بغية الانفراد وحده بالساحة كما رأينا الكنيسة تفعل. إن الدين الذى نزل على محمد عليه الصلاة والسلام شىء مختلف تماما من هذه الناحية، كما أن أتباعه كانوا قمة فى التسامح وسعة الأفق والرحمة تجاه الأديان الأخرى ومعتنقيها. ولو أنهم جَرَوْا على ما عوملوا به من قِبَل المسيحيين فى الأندلس مثلا ما بقى هناك مسيحى واحد بين ظَهْرانَيْهم. أما ما نشاهده الآن من وجود الأقليات الدينية فى بلاد المسلمين تمارس حياتها دون أن يتعرض لها أحد بسوء فبرهان ساطع على ما قاله كل منصف قرأ تاريخ الإسلام والدول الإسلامية رغم أن المسلمين لم يكونوا دائما على مستوى دينهم وقيمه العظيمة، بل كانوا وما زالوا يقصّرون أحيانا عن بلوغ ذراه السامقة. ومع هذا نرى المسيحيين يتصايحون بأنهم مضطهدون مظلومون رغم تمتعهم بما هو أكبر كثيرا جدا جدا من حقهم. إنهم يريدون أن تكون السلطات كلها فى أيديهم حتى يعيدوا عصور محاكم التفتيش للمسلمين فينكلوا بهم ويسملوا أعينهم وينزعوا ألسنتهم ويخوزقوهم ويسحقوا عظامهم وينصّروا أولادهم بالقوة والإكراه، ثم يزعموا مع هذا أنهم متسامحون وُدَعاء يولون خدهم الأيسر لمن يصفعهم على الخد الأيمن ...

ودفاعا عن أهمية الإيمان بالله يؤكد د. توفيق الطويل أن "نتائج التعصب المتزمت، بالغة ما بلغت فظاعتها، لا تبرر نزوع أحرار الفكر إلى القضاء على الإيمان فى كل صوره لأن الإنسان بطبيعته لا يستطيع، بالغا ما بلغ احترامه لشريعة العقل، أن يحيا فارغ القلب. وليس الإلحاد الصادق فى كل صوره إلا إيمانا انحرف عن طريقه المرسوم. ومن هنا قال الملحدون الذين أرخوا لظاهرة التدين عند الناس: لا يموت فى قلب الإنسان إله حتى يحتل مكانه إله آخر. ناهيك بما يترتب على الإيمان من النفع المادى والأدبى على السواء. إن الإيمان يشيع الطمأنينة فى النفس ويملأ شعابها غبطة ورَوْحا، وهذه الطمأننية زاد لا يستغنى عنه إنسان. هذا بالإضافة إلى ما يترتب على الإيمان من نفع مادى يعبر عنه فولتير بقوله: إذا لم يكن الله موجودا لوجب اختراعه. يجب أن نؤمن بالله حتى تكون زوجتى أكثر وفاء لى، وخادمى أقل رغبة فى السرقة. وهو رأى أعرق فى القدم من فولتير بصرف النظر عن تدين أصحابه أو إلحادهم" (د. توفيق الطويل/ قصة الاضطهاد الدينى فى المسيحية والإسلام/ الزهراء للإعلام العربى/ 1412هـ- 1991م/ 28 - 29).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير