تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولم يصغ لنصحى إياه إن الله سوف يخاصمه، أو سوف يشده من أذنه. أما النار وأهوالها فكيف لمثله أن يستوعبها؟ أو كيف يصح أن يخوَّف بها، وهوالطفل الصغير؟ إنها كفيلة بتحويل حياته إلى رعب دائم.

وعلى كل حال فإن حياتنا لا يمكن أن تخلو يوما من الخوف. ترى هل سيمكن يوما أن نقضى على المرض مثلا أو الفقر أو الجريمة أو الشك أو الفشل؟ فكيف يمكن أن نتخلص من الخوف إذن؟ وها نحن أولاء الآن قد تقدم العلم على أيدينا تقدما يدير العقل، فهل تخلصنا من الخوف؟ بل هل تخلص العلماء أنفسهم منه؟ ترى كيف يمكن أن يتخلص المصلحون من خوف السجن والإعدام بالغةً ما بلغت شجاعتهم ومقدرتهم على التضحية بالغالى والنفيس فى سبيل مبادئهم؟ أو كيف نتغلب على الخوف من اللصوص والقتلة وقطاع الطريق والمستبدين والمستعمرين والخائنين والجشعين والأنانيين والمرتشين والكاذبين ومخلفى الوعود؟ ثم كيف نعلو فوق الخوف من المستقبل؟ هل سيأتى اليوم الذى نعرف فيه كل ما سوف يحدث قبل وقوعه؟ ولنفترض أننا وصلنا إلى ذلك المدى من العلم، فهل هذا بمانع لنا أن نخاف من وقوع ما لا نريد؟ والخوف من الصراصير عند بعض النساء أو العناكب مثلا رغم أن الخوف منها يبعث على الضحك لتفاهتها وانتفاء أى خطر منها، ترى كيف نلغيه ونلغى كل المخاوف الشاذة التى من هذا النوع والتى كان يعانى من عدد منها ويرهقك بها، يا برتى، تلميذك وخليفتك الألمانى العبقرى وتجنشتاين ( Wittgenstein)؟ إن ذلك معناه أن ماضى كل إنسان وتجاربه المؤلمة لا تزال تتحكم فيه وفى مشاعره. أى أن المستقبل ليس هو الزمن الوحيد الذى يلقى فى قلوبنا الخوف، بل يشركه الماضى أيضا. ولنضف إليهما الحاضر كذلك متمثلا فى جيراننا وزملائنا ورؤسائنا وأقاربنا الذين ليست علاقتنا بهم على ما يرام ونتوقع منهم، بحقٍّ أو بغير حق، الضرر والأذى ... وهكذا دواليك.

إن الخوف عنصر أصيل فى الطبيعة البشرية لا مَعْدَى عنه ولا فى مجال العلم. وكلما استطاع العلماء مساعدة الناس على التغلب على منبع من منابع الخوف ظهر بدل هذا المنبع منابع جديدة. وعبثا يحاول الإنسان التخلص من الخوف مثلما من العبث محاولته الهروب من ظله. إنه، حتى فى أشد لحظات سروره وابتهاجه، يشعر بالخوف، كما هو الحال فى مباريات كرة القدم مثلا حيث تكون الإثارة والمتعة فى أقصى مداهما، ومع هذا يخاف المشاهد أن ينهزم الفريق الذى يشجعه، ويظل طول الوقت متأرجحا بين متعة المشاهدة وألم الخوف من الهزيمة. فكيف يا ترى يمكن التخلص من مثل ذلك الشعور كما يتوهم رَسِلْ؟ بالله كيف يمكن أن يواجه الإنسان هذا الكون اللامتناهى دون خوف، بل دون مخاوف لا تنتهى؟ بالله كيف نستطيع أن نتصور العلم وقد قضى على كل لون من الخوف، ونحن نرى العلماء أنفسهم والفلاسفة والمفكرين يخافون من نتائج التقدم العلمى، تلك النتائج التى أثمرت القنابل النووية والهيدروجينية مثلا، ومنهم مؤمنون كثيرون أكثر من الملحدين، ومنهم غربيون كثيرون لا يكتفون بذلك بل يدخلون الإسلام باقتناع وسعادة وراحة ضمير؟ ثم ها هو ذا برتراند رَسِلْ نفسه يتحدث فى مقدمة "سيرته الذاتية" عما لابس حياته، وهو العالم الفيلسوف، من مخاوف وأحزان وآلام! فإذا كان هو، بجلالة فلسفته وعلمه، يشعر بكل هذا القدر من المخاوف والآلام، فما بالنا بغيره ممن ليس بفيلسوف ولا عالم ولا عنده تلك الآمال الطِّوَال العِرَاض فى إمكانات العلم الخارقة التى يعلقها هو عليه؟

ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[15 Apr 2010, 07:19 ص]ـ

جميلة جدا ورائعة بحق ....

منذ متى ما قرأنا مثل هذه الكتابات ...

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير