ومعلوم أن التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) في زمانه وصل إلى حالة مزرية، فيما يتعلق بمنهج التربية وطبيعة السلوك، فأنتج مفارقات كبرى بين القول والعمل، ودعاوى عريضة؛ بما حصل من قطيعة لدى كثير من أهله بين الحقيقة والشريعة، وبما دخله ممن ليس من أهله المتحققين به من بعض الدجاجلة والكذابين، بما أساء إلى التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) وأهله، وجعل كثيرا ممن لم يتحقق من حقيقته الأصلية يرمي كافة مدارسه عن قوس واحدة.
لم يكن من السهل إذن أن يستقر بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) على طريقة معينة. وهو الذي استطاع أن يستوعب علوم عصره الدينية، واللغوية، والفلسفية، في مرحلة مبكرة جدا من عمره؛ بما بهر مشايخه وبَزَّ أقرانه! ([3])
بل ربما يمكن القول: إن شخصيته كانت أقوى من أن تخضع له هو نفسه!
لقد كان يجد نفسه يمضي إلى قدره الذي خلق من أجله بقوة لا يستطيع مقاومتها!
قال رحمه الله:
(لقد تحقق لديّ يقيناً أن أكثر أحداث حياتي، قد جرت خارجة عن طوق اقتداري وشعوري وتدبيري!
إذ أُعطي لها سَيْرٌ مُعَيَّنٌ، ووُجّهت وجهةً غريبةً؛ لتنتج هذه الأنواع من الرسائل التي تخدم القرآن ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الحكيم. بل كأن حياتي العلمية جميعها بمثابة مقدمات تمهيدية؛ لبيان إعجاز القرآن ( http://www.soft44.com/vb/t19148) بـ"الكلمات" ([4]).
وأما ما يتعلق بالجانب الموضوعي وأثره في توجهه الفكري والوجداني؛ فقد كان للتحولات العالمية والمحلية الكبرى الواقعة يومئذ؛ بما صاحبها من حركات سياسية واجتماعية وفكرية أثر كبير في رسم معالم منهجه التجديدي. ذلك أن الانهيارات الكبرى التي عرفتها الدولة العثمانية، وما نخر جسم الخلافة الإسلامية من وهن وضعف، وما أبصره النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) بنظره الثاقب من كيد الأعداء في الداخل والخارج، وما صاحب ذلك كله من انهيار كثير من القيم وزحف فلسفة الإلحاد على العالم الإسلامي، مع بداية قيام الثورة البلشفية في روسيا ونشوء الاتحاد السوفياتي، ثم قيام الدولة العلمانية وما قامت به من حملات استئصالية رهيبة لكل ما يرمز إلى الدين شكلا ومضمونا، ثم فشل المحاولات التي قادها مشايخ معاصرون لها لإعادة الأمور إلى نصابها بالقوة، أو بالدروشة. كل ذلك جعله يرفع صوته مبادرا إلى استلام زمام المبادرة، وركوب حصان الطليعة؛ لخوض غمار التحدي بالقرآن، قائلا قولته المشهورة:
(إن هذا الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ليس زمان الطريقة الصوفية بل زمان إنقاذ الإيمان!) ([5])
مقررا بكل ثقة أن: (إنقاذ الإيمان أعظم إحسان في هذا الزمان!) ([6]).
فالمشروع التجديدي لبديع الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) هو على المستوى المنهجي مقارب للتصوف ومفارق له في الآن ذاته. وبيان ذلك يتضح بالمقارنات التالية:
أ- المعرفة القرآنية ضرورية والمعرفة الصوفية فاكهة:
ذلك أن التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) في تصور النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) رحمه الله – بالنظر إلى ظروف عصره - إنما هو ضرب من الترف الروحي! ذلك أن حاجة العصر هي التي تحدد قيمة المفاهيم وأولويتها؛ ومن هنا كان نظر بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) إلى سائر المناهج الإصلاحية مبنيا على مدى نجاعتها بالنسبة لحال الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) وأهله. وقد نقل الأستاذ النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) كلاما عن الشيخ شاه نقشبند مؤسس الطريقة النقشبندية ثم علق عليه بمقارنات لطيفة، وبأدب جم رفيع،
فخرج بمعادلات تربوية ذات بعد منهجي متوازن، تدل على قبوله للفكر الصوفي من جهة، وتجاوزه له من جهة ثانية؛ بناء على معطيات العصر الموصوفة قبل، وما تفرضه من أولويات.
¥