تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وضعها الجديد، ذلك الوضع الذى لم يكن لهم عهد من قبل، فلم يتحدث عنها أحد بكلمة واحدة؟ وكيف يا ترى تم تحويل النصوص الشعرية والخطابية والأمثال عن أوضاعها القديمة إلى ذلك الوضع الطارئ الجديد؟ لقد كان العرب يفتخرون بلغتهم أيما افتخار، وكانوا يرونها لغة لا مثيل لها، فكيف تقبلوا هذا التغيير وتجرعوه بهذه البساطة، وكأنه أَخْذُ نفس وإخراجُه؟

هذا، ولم نتحدث عن القرآن المجيد. ترى أكان المسلمون يتقبلون هذا التغيير (الذى لا ضرورة له) فى طريقة نطق القرآن بهذه اللامبالاة والاستهانة؟ لقد رأيناهم يختلفون اختلافا شديدا حين نسخ عثمان من المصحف الأم عدة نسخ أخرى ليبعث بها إلى الأمصار المختلفة كيلا يكون هناك اختلاف فى قراءة القرآن، والأمر بعد لا يعدو أن يكون تسجيلا كتابيا لما كانوا يحفظونه مسجلا فى صدروهم. فما بالنا بهذا التغيير الحاد فى نطق القرآن كله وإدخال أشياء عليه لم تكن فيه بما يتعارض تمام التعارض والآيةُ التى تقول على لسان المولى عز شأنه: "إنا نحن نزّلنا الذكر، وإنا له لحافظون"؟

ولكى يعرف القارئ مدى حنق فريق من المسلمين على عثمان لمجرد نسخه المصاحف وإرسالها إلى الأمصار جمعًا للمسلمين على قراءة واحدة ووأدًا للخلافات التى كانت تقع بين الناس بسبب تعدد طرائق القراءة أُورِد النص التالى، وهو من كتاب "المصاحف" لأبى بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني (230 - 316 هـ): "حدثنا عبد الله قال: حدثنا عثمان بن هشام بن دلهم، حدثنا إسماعيل بن الخليل، عن علي بن مسهر، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: لما نزل أهل مصر الجحفة يعاتبون عثمان رضي الله عنه صعد عثمان المنبر فقال: "جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا. أذعتم السيئة، وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس. أيكم يأتي هؤلاء القوم: ما الذي نقموا؟ وما الذي يريدون؟ ثلاث مرات لا يجيبه أحد. فقام علي رضي الله عنه فقال: أنا. فقال عثمان: أنت أقربهم رحما وأحقهم بذلك. فأتاهم فرحبوا به وقالوا: ما كان يأتينا أحد أحب إلينا منك. فقال: ما الذي نَقِمْتم؟ قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله عز وجل، وحَمَى الحِمَى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائتي ألف، وتناول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فرد عليهم عثمان رضي الله عنه: أما القرآن فمن عند الله. إنما نهيتكم لأني خِفْتُ عليكم الاختلاف، فاقرءوا على أي حرف شئتم. وأما الحِمَى فوالله ما حميتُه لإبلي ولا غنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة لتسمن وتصلح وتكون أكثر ثمنا للمسلمين. وأما قولكم: إني أعطيت مروان مائتي ألف، فهذا بيت مالهم فلْيستعملوا عليه من أحبوا. وأما قولهم: تناول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما أنا بشر أغضب وأرضى. فمن ادَّعَى قِبَلِي حقا أو مظلمة، فهذا أنا: فإن شاء قود، وإن شاء عفا، وإن شاء أرضي. فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة، وكتب بذلك إلى أهل البصرة وأهل الكوفة: فمن لم يستطع أن يجيء فلْيُوَكِّلْ وكيلا".

فكيف يصل الأمر ببعض المسلمين إلى السخط على عثمان إلى هذا الحد وإطلاق اللسان فيه والثورة عليه بسبب إقدامه على هذا العمل الجليل، على حين يمر أمر تغيير نطق القرآن هذا التغيير العنيف مرور الكرام فلا نسمع كلمة استنكار واحدة، وكأن شيئا من ذلك لم يحدث؟ إن هذا لهو العجب العُجَاب! ثم أين ذهب القرآن الذى كان موجودا قبل أن يغيره علماء النحو هذا التغيير الحاد؟ أوقد مُحِى من الكتب والصدور محوا؟ فمن محاه يا ترى؟ وأعجب من كل هذا أن يسكت أعداء الإسلام فى الدولة البيزنطية، وكذلك اليهود والنصارى والملاحدة والشعوبيون داخل الدولة الإسلامية، فلا يكتبوا شيئا عن هذا الذى جرى ويشنعوا به على المسلمين ويقولوا عنهم إنهم قد عبثوا بالقرآن وحرفوه. فأى تواطؤ عجيب هذا الذى التزمته جميع الأطراف، وبالمصادفة أيضا!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير