تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وشرفت ذات أنواط قبائلها =ولم تباين على علاتها الشجرا

وهو محق من الناحية الفلسفية في بيانه عدم تساوي أدلة وجود الله مع أدلة النبوة، رغم أنه كان مؤمنا بالنبوة في معظم أحيانه. لأن دليل وجود الله دليل استقرائي موجود في طبيعة العقل البشري أن يستقري من كون كل شيء له أصل أن يعزو الوجود إلى موجد لا يمكن تكراره لأنه يؤدي إلى الدور. ولا تعدده لأنه يؤدي إلى تصادم الإرادات والفساد وهذه أدلة عرضها القرآن الكريم وحث الناس على إعطائها الأولوية التي تستحقها. لكن أدلة النبوة تحتاج معجزة تخرق قوانين العقل نفسه، وهي تصبح تاريخا إذا لم يشهدها الإنسان بنفسه، باستثناء المعجزة الوحيدة الباقية وهي القرآن الكريم، التي أحسّ النبي صل1 بتميزها عن سائر المعجزات فقال وإنما كان الذي أعطيتُه وحيا فأرجو أن أكون أكثرهم تبيعاً

وأبو العلاء من المنفعلين بالقرآن ولكنّه ذا عقلية علمية تُشبه عقلية فلاسفة الإغريق وعقلية ابن حزم والمعتزلة وبعض فلاسفة الإسلام لكنّ له ميزة على غيره بانفعاله بمعنى الوجود وجدية الحياة أن صام أربعين سنة وامتنع عن كل ما يؤذي الحيوان بحثا عن العدالة القصوى.

ويصدق كريمر حين قال إنه من أعاظم الأخلاقيين على مدار التاريخـ وأنه كان سابقا لعصره بمراحل.

ومن وجهة نظري المتواضعة أنه أكثر من أديب بمعنى أن فلسفته تصلح لبناء دولة على أرقى مستوى من الإنسانية والقيم العليا. ويؤسفني أنه رغم أن العصر الحديث قد أعاد له الاعتبار بعد التشويه الذي قام به علماء الإسلام لأنهم نقلوا آراء ابن الجوزي فيه وكرروها كما أثبت ذلك الكتاب القيم الذي جمعه جماعة من الفضلاء بإشراف طه حسين وسموه (تعريف القدماء بأبي العلاء)، إلا أن الأمة ما تزال بعيدة عن فلسفة أديبها الكبير والمعلم الحقيقي شاعر الإنسانية في جميع العصور.

ومن جيد ما قيل فيه من الشعر قول العراقيين الجواهري والرصافي

قف بالمعرة وامسح خدّها التربا = واستوح من طيّب الدنيا بما وهبا

واستوح من ملأ الدنيا بحكمته= ومن على جرحها من روحه سكبا

وللحوادث حالات وأفجعُها =أن تبصر الفيلسوف الحر مكتئبا

لدولة الفكر تاريخ يحدثنا =بأنّ ألفَ "مسيحٍ "دونَها صلبا

رغم أن المسيح صل1نفسه لم يقتل ولم يصلب ولكن شبه لهم بل رفعه الله إليه.

وقال الرصافي

حيهل أيها الملا =نحي ذكرى أبي العلا

شاعر شعره اجتلى= صورا كلها غرر

هو بالفكر مذ سما =كان من نوره العمى

شاعر الأرض والسما =شارف الشمس والقمر

حل في ذروة الأب =آتيا منه بالعجب

لا تقل شاعر العرب= إنه شاعر البشر

جعل الحق ذوقه= باذلا فيه طوقه

شاعر ليس فوقه= شاعر من بني البشر

كوكب قد توقدا =في سماء من الهدى

عندما غمه الردى= اظلم الجو واعتكر

وأهم كتبه على الإطلاق ديوانه الفلسفي لزوم ما لا يلزم الذي اختصره الناس باسم اللزوميات، وقد دافع عن بعض ما قاله فيه في كتاب أسماه - حاشى القارئ- بـ"ـــزجر النابح"، وهو وإن لم يصل إلينا إلا أن قسطاً كبيرا منه قد وجده الدكتور أمجد الطرابلسي رحمه الله على هامش مخطوط للزوميات قديم في مكتبة لندن. وهذا السفر هو الذي عناه الرصافي مادحاً

خطّ سفراً به ابتغى = غنيةَ الروح بالرغى

جامعا أفصح اللغى = حاويا أكبر العبر

شعره شفّ عن دها= ماله فيه منتهى

بمعانٍ هي النهى= ومبان هي الدرر

ولا شك عندي أنه من أولياء الله الصالحين رغم ما كان يعتري نفسه المتفكرة من شكوك في جدوى الوجود.

عفا الله عنه وتغمده في الصالحين.

ـ[أحمد كوري]ــــــــ[27 Jun 2010, 01:45 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الهدف من كتابة هذا الموضوع هو إثبات شهادة المعري واعترافه بإعجاز القرآن، وهي شهادة لها وزنها من رجل متخصص في الدراسات اللغوية والأدب العربي، وحتى لو كان ملحدا – والعياذ بالله - فهذا لا ينقص من قيمة هذه الشهادة، بل ربما يزيد في قيمتها؛ فشهادته هنا هي كشهادة الوليد بن المغيرة في قوله في وصف القرآن الكريم: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير