وما زال الناس مختلفين في المعري؛ وسبب اختلافهم هو أن شعره حافل بالتناقض ولا يكاد المرء يخرج منه بنتيجة محددة، والروايات عنه مختلفة كذلك؛ لأنه كان في ما يظهر يستعمل التقية ويجمجم ولا يصرح باعتقاده، وليس غموضها هذا منقبة له، وإنما يدل على جبن وخور وتذبذب ونفاق، وليس كل ذلك من أخلاق العقلاء في شيء، ولا يصح اعتبار من هذا شأنه نموذجا أخلاقيا. وإذا راجعنا تراجمه في مؤلفات علماء الإسلام (كابن الجوزي والسلفي والذهبي والصفدي وياقوت) نجد أنهم قد أنصفوه إنصافا بالغا، وحكوا كل ما قيل فيه، ولم يقولوا عنه إلا ما يشهد به شعره. (انظر كتاب: أبو العلاء وما إليه – تأليف: عبد العزيز الميمني الراجكوتي – دار الكتب العلمية – بيروت – ط 1 – 1403هـ/1983م). ولا عبرة بتعديل الزهاوي للمعري، لأن الزهاوي كان ملحدا متناقضا.
والمعري لم تكن له فلسفة خاصة، ولم يؤلف كتبا فلسفية، وإنما بث بعض آرائه وتأملاته في أثناء "اللزوميات" و"سقط الزند"، وقد كان نباتيا وله خواطر عن الحياة والناس، وكل هذا لا يعبر عن فلسفة خاصة ولا يجعل منه فيلسوفا، كما يقول د. يحيى شامي بعد أن عرف الفلسفة عدة تعريفات: "أقول إن كانت الفلسفة هذا كله أو بعضه فإن أبا العلاء بعيد من نسبة الفلسفة إليه، وذلك لأن الرجل وبصفته شاعرا في الأصل بطبعه وإحساسه ومزاجه، أوغل في العاطفة والانفعال، وأطلق لخياله ولحسه المستوفز العنان، فلم يتوفر على الأفكار وصوغها وتمحيصها وتحليلها تحليلا منطقيا بحيث تجري في نسق محكم النظام، مبوب البناء ثابت الأساس". (أبو العلاء المعري: 170 – ط دار الفكر العربي بيروت – ط1 – 2002م). ولا يستحق المعري أيضا مكانة متقدمة بين الأدباء؛ فأدبه متكلف مثقل بأنواع البديع وحوشي الكلام.
والدولة المثالية لا يمكن أن تبنى إلا على مبادئ كتاب الله (وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهي المبينة للقرآن الكريم)، "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". أما أقوال المعري فهي قسمان: قسم هو حكم صحيحة موافقة للكتاب والسنة وهذا القسم لا نحتاج إليه في بناء الدولة؛ لأن الكتاب والسنة يغنيان عنه، وقسم مخالف للكتاب والسنة، فهو كفر وباطل يجب نبذه، وهذا القسم كذلك مخالف للمبادئ العقلية الصحيحة؛ فهو يقوم على الإلحاد والتشاؤم وكره الحياة ومعاداة البشرية والانقطاع عن النسل.
ووجود الله سبحانه وتعالى ثابت بالأدلة القطعية، وصدق الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – كذلك ثابت بالأدلة القطعية، وهما في مستوى واحد من حيث الثبوت وقوة الأدلة، كما تشهد بذلك قواطع العقول وسواطع النقول.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Jun 2010, 05:54 ص]ـ
حوارٌ مُمتعٌ أشكرُ كلَّ مَن شارك فيه.
وقد نُشر من قبلُ في ملتقى أهل التفسير بعضُ الموضوعات التي تناولت شيئاً من هذه القضية تجدونها هنا:
- تبْرئة أبي العلاء من معارضة القرآن لنايف الزهراني ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=3434).
- الفصول والغايات ليس في محاذاة السوروالآيات لابن الشجري ( http://tafsir.net/vb/showthread.php?p=19646#post19646).
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[27 Jun 2010, 06:02 ص]ـ
الأخ أحمد كوري مرحباً
تعمدت أن أضرب صفحا عن لب الموضوع ولا أعرج على كتاب الدلالات الذي طبع على أنه في الحكم والمواعظ وقيل إنه في معارضة السور والآيات، وكنت أنوي أن أضيف ملحقا للمقال الذي كتبته فيالإشادة بأبي العلاء رحمه الله.
وما إخالك تغفل أن آراء الرجال التي أوردتها فيه لا تلزمني بشيء ولاسيما أني قد قرأت شعره بنفسي وكونت رأيي الخاص عنه في سنين عديدة. وما يغفل مثلكم عن أن كونه فيلسوفا أو لا أمر نسبي فقد قالت الموسوعة الفلسفية عن هايدغر وبهذا النوع من المنطق أو بالأحرى انعدام المنطق بإمكان هايدكر أن يثبت أي شيء. ونحن نعد في الفلاسفة من لم يصلنا منه إلا شذرات شعرية فلسفية من فلاسفة اليونان فهذا أمر مرتبط بعصره. وعندي أن المعري فيلسوف حقيقي ومعلم كبير وما أفرض رأيي على أحد.
ولكن ما يستوجب ردا عليكم بوصفكم أستاذا لا قارئا عاديا هو قولكم
.
ووجود الله سبحانه وتعالى ثابت بالأدلة القطعية، وصدق الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – كذلك ثابت بالأدلة القطعية، وهما في مستوى واحد من حيث الثبوت وقوة الأدلة، كما تشهد بذلك قواطع العقول وسواطع النقول.
فهذا إن كنت تعني أننا مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله فنعم نحن والحمد لله مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولكن قولك إنهما سواء من حيث الأدلة مصادرة غير فلسفية وقد بينت سبب كونهما غير سواء من حيث القوة حتى إن القرآن الكريم قال إنهما ليسا سواء من حيث القطع فقال تعالى (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد) فكونه من عند الله هو رسالة الإسلام أن يؤمن البشر بها، وليس كونه من عند الله بقطعية كون الله حق في العقل بل في قلب المؤمن. وهذا مما لا أحسب عالما أو منطقيا أو مدركا لمبادئ العقل يكابر فيه، وقد تكون انفعلتَ بسبب ما رأيته مبالغة في الإشادة برجل لا تكن له ما أكنّ فقادك امتعاضك إلى أن تساوي بين قضيتين ليستا متساويتين بنص القرآن. وأنا هنا ضيفك ولا أماريك ولكني أحاورك فيما حاورتني فيه
والله من وراء القصد
¥