تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

حجة مفحمة! ألا إنه لأمر عجيب!

كذلك يأخذ نصر أبو زيد على الخطاب الدينى تمسكه بعنصرين هما النص والقول بالحاكمية الإلهية (انظر ص67 من "نقد الخطاب الدينى"). والنص طبعا هو النص القرآنى كما هو واضح من عنونته لكتابه الذى يتناول دراسة علوم القرآن باسم "مفهوم النص". وإذا عبنا الخطاب الدينى بأنه يتمسك بالنص، أى النص القرآنى، فما الذى يبقى من الإسلام؟ وبأى نص يا ترى ينبغى أن يتمسك المسلم؟ برأس المال مثلا؟ أم بـ"مفهوم النص"؟ إن القرآن هو دستور المسلمين ومدوَّنة شريعتهم وكتاب عقيدتهم. فإذا نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به مشورة أبو زيد حتى يرضى عنهم فهل يظلون حينئذ مسلمين؟ وهل القرآن معيب حتى نتبرأ منه؟ قد يراه بعض الناس كذلك، ويَرَوْن أن الرسول هو مؤلفه، وأنه حتى لو كان مفيدا فى وقته فقد تجاوزه الزمن. فليكن، فكل إنسان حر فيما يعتقد. والمسلمون بنفس المبدإ أحرار فيما يؤمنون به، ومن واجبهم، لا من حقهم فقط، أن يتمسكوا بالنص القرآنى، وإلا ما كانوا مسلمين. ترى لم جاء الإسلام ونزل القرآن على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إذا لم نتمسك بتشريعاته وأحكامه وننزل على مبادئه الأخلاقية والفكرية والذوقية؟ أم ترى القرآن نزل من السماء لنلفه فى ورق سيلوفان ونضعه فى الدواليب ثم نخرجه من مكمنه لنستمتع بمرآه ولمسه فى المناسبات؟ الأمر فى حقيقته لا يخرج عن الاحتمالات التالية: إما أننا نؤمن بأن هذا الكتاب هو من عند الله فنعض عليه بالنواجذ ونجتهد بكل طاقاتنا فى تطبيقه، وإما أننا لا نصدق بإلهية مصدره، بل نعتقد بأن محمدا هو مؤلفه، لكنه كذب علينا قائلا إنه من عند الله أو توهَّم مخدوعا بحسن نية أنه فعلا من عند الله، وإن لم يكن فى الواقع من عند الله، وإما أننا نعتقد بأنه نزل من السماء، لكنه لا يناسب ظروفنا وأوضاعنا الآن لأنه ليس صالحا لكل زمان ومكان، بل للعرب وحدهم فى القرون الهجرية الأولى. فأما الاحتمال الأخير فأرجو ممن يقول به أو يتظاهر أنه يقول به، حتى لو لم يؤمن حقا بأنه من عند الله لا على سبيل التأبيد ولا على سبيل التوقيت، أن يدلنا على نص فيه أو فى الأحاديث النبوية يقول هذا. وأما الاحتمال الثانى فنحن بطبيعة الحال، بوصفنا مسلمين نؤمن بالله وبالرسول محمد عليه الصلاة والسلام لا نبيا فحسب بل سيدا للأنبياء أجمعين، نرفضه رفضا باتا قاطعا. وهو ما لا ينبغى أن يلومنا عليه أحد حتى لو رأى أن فى عقولنا مسا شيطانيا أو فى سلوكنا وتصرفاتنا وتفكيرنا تخلفا حضاريا. ومع هذا فلصاحب الاحتمال الثانى الحق كل الحق فى أن يعتقد به، ولا دخل لنا فى اعتقاده، وكل ما نستطيعه ويحق لنا فى ذات الوقت هو أن نرد على ما يقول بكلام مثله. وعلى القراء أن يوازنوا بين ما نقول وما يقوله هو ويختاروا ما يرونه مقنعا للعقل ومتسقا مع المنطق والحضارة والتقدم والسعادة.

ويتصل بهذه الدعوة السخيفة ما قاله أبو زيد فى كتابه: "مفهوم النص" من أن الحضارة الإسلامية هى حضارة النص، أما اليونانية فهى حضارة العقل، على حين كانت الحضارة المصرية هى حضارة ما بعد الموت (ص11). ومعنى هذا أن الحضارة الإسلامية لا علاقة لها بالعقل ولا صلة بينها وبين الحياة الآخرة، مع أن هذا وذاك غير صحيح. فالقرآن دعوة إلى استخدام العقل حتى فى قبول الإيمان أو رفضه، وفى تقييم شخصية النبى ذاته، ودعوة إلى طلب المعرفة، ولا شىء فيه يعدل السعى وراء العلم، والعلماء فيه ورثة الأنبياء ... كما يدعو إلى الاستعداد لما بعد الموت، ويحذر من الركون المطلق للدنيا ويؤكد لأتباعه أن ثم ثوابا وعقابا وجنة ونارا وسعادة وشقاء خلف هذا العالم. ثم هل الحضارة الإسلامية وحدها هى التى لها نص تتمسك به وتحترمه وتقدسه؟ أليس لدى الماركسيين البيان الشيوعى؟ أليس لدى النازيين كتاب هتلر المسمى: "كفاحى"؟ أليس لدى النصارى مجموعة الأناجيل؟ أليس لدى اليهود التوراة؟ أليس لدى الزرادشتيين الأفستا؟ أليس لدى الهندوس الفيدا؟ أليس لدى الطاويين الطاو تى تشينج؟ بل أليس لدى النحويين كتاب سيبويه؟ ألم يكن لدى التغلبيين معلقة عمرو بن كلثوم، الذى سخر منهم بسببها بعض الشعراء زاعما أنها ألْهتهم عن كل مكرمة لكثرة اشتغالهم بها وحفظهم لها وترديدهم إياها واستشهادهم فى كل صغيرة وكبيرة بأبياتها؟ ألم تكن مقدمة "كرومويل" لهيجو هى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير