تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النص الذى يتمسك به كتاب المسرح الرومانتيكيون فى فرنسا وأوربا؟ ألم يكن كتاب "الديوان" هو النص الذى قلب دنيا الشعر والنقد فى وقته، ولا يزال الشغل الشاغل للشعراء والنقاد والباحثين؟ ثم إن حضارة النص معناها أن المسلم لا ينبغى أن يعمل شيئا سوى الالتزام بالنص عميانيا. فهل هذا هو الإسلام؟ وهل هكذا كان المسلمون؟

ترى ألو كان المسلمون يلتزمون بالنصوص (أى بآيات القرآن) عميانيا، أكانوا يسودون الدنيا فى عدد ضئيل من السنين ليس بشىء فى تاريخ العالم، فيقودونها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا، ويعتنق الناس دينهم ويتبنَّوْن أدبهم ويتحدثون ويكتبون بلسانهم على اختلاف مللهم ولغاتهم وثقافاتهم، ويحبون نبيهم ويفدّونه بالنفس والنفيس؟ وها نحن أولاء اليوم لنا عشرات الرؤساء، ونُعَدّ بمئات الملايين، ونعيش على رقعة ضخمة من البسيطة، ولدينا نفط غزير وأنهار كثيرة، وميزانيات بعض دولنا هائلة بشكل لا يخطر على البال، ومع هذا فنحن فى مؤخرة الأمم، ولا يحترمنا أحد، بل الكل ينظر إلينا على أننا ممسحة لأحذيتهم، وكثير من مثقفينا (المثقفين اسما فحسب) ليسوا سوى عملاءَ رِخَاصٍ لهذه الدولة أو تلك، ولا يتصدر المسرح منهم إلا زبالة الزبالة، على عكس ما كان الحال أيام عز الإسلام، الذى ينغص على بعض الناس عيشتهم فى اليقظة والمنام، ويمررها ويصيرها نكدا وغما. ترى ماذا يريد هؤلاء؟ ألا إنهم هم المفسدون، وهم بما يعملون يشعرون.

كذلك من المضحك أن يحاول أبو زيد إيهامنا أن كتابه هذا هو الكتاب الوحيد الذى يبحث عن "البعد" المفقود في التراث الإسلامى، ذلك البعد الذي يمكن أن يساعدنا على الاقتراب من صياغة "الوعي العلمي" بهذا التراث. ولا يتأتى ذلك للباحث في القرآن إلا حين يعتمد أساسا على دراسة أدبية صحيحة لكتاب العربية الأوحد تُفَهِّمه للآخرين. فهذه الدراسة، فى زعمه، هي الكفيلة بتحقيق "وعي علمي" نتجاوز به موقف "التوجيه الأيديولوجي" السائد في ثقافتنا وفكرنا. إلاّ أن البحث عن هذا المفهوم وبلورته وصياغته لا يمكن أن تتم بمعزل عن إعادة قراءة "علوم القرآن" قراءة جديدة باحثة منقبةحسبما يقول (ص12 - 13 من الكتاب السابق). ومعنى هذا أنه يجعل من نفسه مهدىّ آخر الزمان، ذلك الذى طال انتظار المسلمين له على مدى القرون، ثم آن الأوان أخيرا بعد طلوع الروح أن يهل علينا بطلعته البهية. والله سلامات! فقد تعبنا من طول الانتظار لسيادة السلام فى الأرض حيث يصطحب الذئب الشاة فى يده ( engagé)، فيتنزهان ويتغازلان، ثم فى الليل يأخذها فى أحضانه ويأكلان أرزا باللبن، ثم بعد تسعة شهور ينجبان ذؤبانا وذئبات، وخرفانا ونعجات. أبوك السقا مات! لكنْ أىُّ غرور هذا، وأىُّ انحراف فى تقدير الذات؟ ألم يكن ثم مرآة يطالع فيها صورته ويرى نفسه على حقيقتها؟ أم إن المرايا التى حوله كانت "مرايا محدَّبة" تعكس الأشياء بصورة أضخم من حقيقتها؟ رحمك الله يا د. عبد العزيز حمودة، وبارك فى كتابك الذى أثار الزوابع وأقض مضاجع الجاهلين الحشاشين، ولا بارك الله فيمن تطاول عليك من كل عتل ذميم زنيم لا ترتفع رأسه إلى موطئ قدميك، على الأقل فى اللغة الإنجليزية وفى تراثها الأدبى والنقدى!

وفى كل من الصفحة الثلاثين والصفحة الثامنة والسبعين من "نقد الخطاب الدينى" نسمع كاتبنا يقول إن هناك مجالات فى الحياة لا تتعلق بها فعاليات النصوص القرآنية، زاعما أن الصحابة قد فطنوا إلى هذا منذ وقت مبكر. وهذا ما قاله بالحرف: "منذ اللحظات الأولى فى التاريخ الإسلامى، وخلال فترة نزول الوحى وتشكُّل النصوص، كان ثمة إدراك مستقر أن للنصوص الدينية مجال فعاليتها الخاصة، وأن ثمة مجالات أخرى تخضع لفاعلية العقل البشرى والخبرة الإنسانية ولا تتعلق بها فعالية النصوص. وكان المسلمون الأوائل كثيرا ما يسألون إزاء موقف بعينه ما إذا كان تصرف النبى محكوما بالوحى أم محكوما بالخبرة والعقل. وكثيرا ما كانوا يختلفون معه ويقترحون تصرفا آخر إذا كان المجال من مجالات العقل والخبرة. الأمثلة على ذلك كثيرة، وتمتلئ بها كل وسائل الخطاب الدينى وأدواته من كتب ومقالات وخطب ومواعظ وبرامج وأحاديث. ورغم ذلك يمضى الخطاب الدينى فى مد فعالية النصوص الدينية إلى كل المجالات (أى يحاول تكريس شموليتها كما سبق القول) متجاهلا تلك الفروق التى صيغت فى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير