تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإسلام"، قد عد الخوارج من المنكرين للعمل بالأحاديث (انظر أحمد أمين/ فجر الإسلام/ ط10/ دار الكتاب العربى/ بيروت/ 1969م/ 232 فصاعدا، وبخاصة 242، و"الأم" للشافعى/ تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب/دارالوفاء/ المنصورة/3001م/ 9/ 5 وما بعدها). فهل كان على الشافعى أن يترك علمه وفهمه ويشذ عن سائر علماء الإسلام، الذين كانوا يأخذون بالسنة مصدرا للتشريع، ويتبع هذه الجماعة من النكرات المجهولى الحال حتى يرضى عنه نصر حامد أبو زيد؟ وهل الخوارج المندفعون للصدام مع الدولة والمجتمع الضيقو العطن المسارعون للتكفير رغم تحمسهم للدين قد أصبحوا الآن يمثلون الفكر العقلانى الذى ينبغى اتباعه عند أبو زيد وأمثاله؟ غريبة!

يقول د. أحمد أمين عن السنة ومكانتها فى التشريع: "وهناك نوع آخر من التشريع كان فى عهد رسول الله، وهو التشريع بالسنة. ويختلف عن الكتاب فى أن القرآن ألفاظه ومعانيه بوحى من الله، وأما السنة فألفاظها من عند الرسول. فالسنة أو أحاديث الرسول بينت كثيرا من آيات القرآن كالذى رأيتَ فى آيات الصلاة والزكاة. فالقرآن لم يبين هيئات الصلاة ولا أوقاتها، ولم يبين المقادير الواجبة فى الزكاة ولا شروطها. إنما بين ذلك النبىُّ بقوله أو فعله. كذلك حدثت حوادث وخصومات قضى فيها النبى بالحديث لا بالقرآن، فكان قضاؤه فى ذلك تشريعا. فكل ما قاله النبى أو فعله أو حدث أمامه واستحسنه كان تشريعا. ومتى ثبت ذلك عن رسول الله كان فى القوة بمنزلة القرآن. ولكن قل أن يثبت ثبوتا لا يحتمل الشك لما بينا فى كلامنا على الحديث ... وأحاديث الأحكام كثيرة وردت فى كل الأنواع التى ورد فيها القرآن قبينت مجمله، وقيدت مفصّله، وزادت أشياء كثيرة لم يذكرها القرآن. وقد عُنِىَ العلماء قديما بجمعها ورتبوها حسب الترتيب الفقهى.

هذا الأصلان: الكتاب والسنة هما مصدر التشريع فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك يتبين أن أساس القانون الإسلامى إلهىّ مصدره الله فيما نص عليه من كتاب أو حديث ليس لأية سلطةٍ حقٌّ فى مخالفتها ولا الخروج على ما ورد فى نصوصها. إنما يجتهدون فيما لم يرد فيه نص مسترشدين بما ورد فى الكتاب والسنة من قواعد كلية. وبذلك تخالف القوانين الوضعية، ففيها تكون السلطة التشريعية فى منتهى الحرية فى تفسير قانون أو تعديله أو إلغائه. وليس الشأن كذلك فى القوانين الإلهية، فحرية الفقهاء والخلفاء محدودة فى دائرة فهم نصوص القرآن، ومقدار الثقة بالحديث وعدمها لم يرد فيه كتاب ولا سنة صحيحة".

وبعد أن تناول د. أحمد أمين مدرسة الرأى وبين أنها هى أيضا تأخذ بالحديث، ولكن ليس على النطاق الواسع الذى تأخذ به المدرسة المقابلة، انتقل إلى طائفة من المسلمين كانت تغالى فى هذا الأمر فلا تأخذ بها بتاتا متحججين بأنهم يشكون شكا مطلقا فى الرواة لكثرة من جرّحهم رجال الجرح والتعديل حتى ليكادون ألا يتفقوا على أمانة محدّث أو صدقه كما قالوا. ويتلخص موقفهم فى أنهم لا ينبغى أن يتركوا كتاب الله المقطوع به لمثل هذه الأحاديث المشكوك فيها (فجر الإسلام/ 233 وما بعدها). ود. أحمد أمين يعتمد فى هذا على ما جاء فى كتاب "الأم" للشافعى حين ناقش آراء هذه الطائفة. إلا أنه لم يذكر لنا اسما واحدا من أسماء أعضائها، مما يشير فى رأيى إلى أنها كانت جِدّ محدودة، ولم يكن لها خطر يذكر. والواقع أن حجة هؤلاء المتشككين فى السنة النبوية داحضة، إذ ليس من المعقول أن يكون الناس جميعا محل ريبة وتشكك: هكذا لله فى لله. كما أن الذين يأخذون بالأحاديث فى مجال التشريعات لا يتركون القرآن كما زعموا، بل يستعينون بالحديث حين لا يكون هناك نص قرآنى فى المسألة التى يبحثون لها عن حكم شرعى. وعلى أية حال فإن العمل بالحديث ليس معناه أن نقبله عشوائيا دون تمحيص ودون أن يكون سائرا مع روح الإسلام واتجاهه العام.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير