فهؤلاء الأساتذة الكرام يرون أن التناوب والتضمين - مع أنهما وردا في كلام العرب شعره ونثره وفي البيان القرآني نفسه - إلا أنهما محاولة لتصحيح وجوه التعدية، وأن منشأ الاختلاف في استعمالهما اللغوي يرجع في حقيقته إلى عدم دراسة العلاقة بين الصيغة الفعلية والحرف، دراسة أسلوبية وافية تخرجه من هذه الإشكاليات، وتقف به عند الاستعمال الفعلي للمتعاملين باللغة تعاملاً مباشراً حيّاً.
وهم يرون أن تحديد الحرف المعدّي للفعل يجب ألا يتمّ والكلمات خارج السياق، وإنما يتحدّد عندما يكون الفعل مرتبطاً مع مجموعة أخرى من الألفاظ التي تحكم علاقاته بغيره من الأسماء والحروف. ووفقاً لهذا الرأي، فإن اختلاف الحرف، وتبادله على الصيغة الواحدة، لم يحصل عبثاً، أو لمجرّد إيجاد باب للتأويل، وشحذ الذهن في مجال التفسير اللغوي، وإنما مردّ ذلك إلى اختلاف المعاني التي تتنوّع باختلاف الحرف.
فكثيراً ما نجد أحكاماً مطلقة تلحق بالصيغ وهي منفردة، لتطبق عليها في حالة التركيب، على نحو ما نجد في أنّ (سأل) - مثلاً - يتعدّى بحرف الجرّ (عن)، وأنّ (شرب) يتعدّى بنفسه، وبحرف الجرّ (من)، وما إلى ذلك من الأحكام المشابهة، دون أن نراعي أن الكلمة قد تكتسب بالتركيب أحكاماً تختلف مع الحالة التي نجعلها قاعدة، أو أصلاً لها في الاستعمال ..
وما أوضح الردّ الذي أثبته السيوطي على تأويل أبي نزار، لقوله تعالى: (وَقَدْ أَحْسَنَ بَي) [يوسف 100] بمعنى: لطف، لا لشيء إلا لأنه رأى أن أحسن لا يتعدّى بالباء، وإنّما يتعدّى بـ (إلى) فقط، ورفضه لهذا التأويل بقوله: نقلت معنى الكلمة عما وضعت له ... وأما نقل الكلمة فهو تأولك (أَحْسَنَ بَي) على لطف بي، وإنما حملك على ذلك أنك وجدت أحسن يتعدّى بإلى في مثل قول القائل: قد أحسنت إليه ولا يقول قد أحسنت بي، وجهلت أن الفعل قد يتعدّى بعدّة من حروف الجرّ على مقدار المعنى المراد من وقوع الفعل، لأن هذه المعاني كائنة في الفعل وإنما يثيرها ويظهرها حروف الجرّ، وذلك أنك إذا قلت: خرجت، فأردت أن تبيّن أن خروجك مقارن لاستعلائك قلت: خرجت على الدابّة، فإن أردت المجاوزة للمكان قلت: خرجت عن الدار، وإن أردت الصحبة قلت: خرجت بسلاحي ... فقد وضح بهذا أنه ليس يلزم في كل فعل أن لا يتعدّى إلا بحرف واحد، ألا ترى أن (مررت) المشهور فيه أن يتعدّى بالباء، نحو: مررت به، وقد يتعدّى بإلى وعلى، وتقول: مررت إليه ومررت عليه، وكذلك قوله سبحانه (وَقَدْ أَحْسَنَ بَي) ". (الأشباه والنظائر في النحو: 3/ 175 - 176).
ما أريد قوله إن الحكم على علاقة الحرف بالصيغة ودور الحرف في التعدّي يجب أن يكون من خلال السياق، وأن الحكم على فعل ما بأنه يتعدّى بحرف كذا أو بنفسه - هكذا بإطلاق الحكم - أمر لا تقبله طبيعة اللغة التي تتجدّد كل لحظة في تراكيبها للوفاء بالمعاني المتجدّدة.
ولن أطيل عليك، ولكني أضع أمامك المراجع التي أعتمد عليها في نصرتي لهذا الرأي:
- دور الحرف في أداء معنى الجملة، للدكتور الصادق خليفة راشد، ط1، 1996، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي.
- من أسرار حروف الجرّ في الذكر الحكيم، للدكتور محمد الأمين الخضري، ط1، 1989، مكتبة وهبة.
كما وأحيلك إلى بحث الدكتور يوسف عبد الله الأنصاري على هذا الرابط:
من أسرار تعدية الفعل في القرآن الكريم ( http://www.uqu.edu.sa/majalat/shariaramag/mag27/pdf/doc013.pdf)
ثم أعتذر لك مجدّداً .. وأضْمِرُ لك في نفسي ألا يقطع الله عنك أكمل الخير ..
ودمتم ..
تلميذكم
لؤي الطيبي
ـ[محمد إسماعيل]ــــــــ[02 Apr 2006, 12:19 م]ـ
دعك من هذا الذي تقوله، ولا تخاطبني بمثل قول شاعرك .. وتذكر أنت أن الوقت أثمن من أن يفرط به ... وأقول: إن لك الحق كله في أن تتبنى من الآراء ما تتبناه، فأنا لم ولن أحملك على رأي أيًّا كان .. ولكن عندما تسأل عن شيء فلا تتهرَّب من الإجابة عنه، وتدخل نفسك في متاهات يصعب عليك الخروج منها .. فأنت حتى الآن لم تجب عن سؤال واحد من الأسئلة المطروحة عليك، وكلما استشهدت بقول بينت لك أن هذا القول هو دليل عليك، لا دليك لك .. والآن تذكر قول السيوطي الذي يرد فيه تأويل أبي نزار، لقوله تعالى:? وَقَدْ أَحْسَنَ بَي
¥