قال الطبري رحمه الله: وقال آخرون: معناه: فلما تبين له في الآخرة. وذلك أن أباه يتعلَّق به إذا أرادَ أن يجوز الصراط فيمرّ به عليه، حتى إذا كاد أن يجاوزه، حانت من إبراهيم التفاتةٌ، فإذا هو بأبيه في صورة قِرْد أو ضَبُع، فيخلِّي عنه ويتبرأ منه حينئذ. * ذكر من قال ذلك:
17359 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا حفص بن غياث قال، حدثنا عبد الله بن سليمان قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: إن إبراهيم يقولُ يوم القيامة: "ربِّ والدي، رَبِّ والدي"! فإذا كان الثالثة، أخذ بيده، فيلتفت إليه وهو ضِبْعانٌ، فيتبرأ منه.
17360 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن عبيد بن عمير، قال: إنكم مجموعون يوم القيامة في صعيدٍ واحد، يسمعكم الداعي، وينفُذُكم البصر. قال: فتزفِرُ جهنم زفرةً لا يبْقى مَلك مُقَرَّب ولا نبيٌّ مرسل إلا وقع لركبتيه تُرْعَد فرائصُه! قال: فحسبته يقول: نَفْسي نفسي! ويضربُ الصِّراط على جهنم كحدِّ السيف، دحْضِ مَزِلَّةٍ، وفي جانبيه ملائكة معهم خطاطيف كشوك السَّعْدان. قال: فيمضون كالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الركاب، وكأجاويد الرجال، والملائكة يقولون: "ربّ سلِّمْ سلِّم"، فناجٍ سالمٌ ومخدوش ناجٍ، ومكدوسٌ في النار، يقول إبراهيم لأبيه: إني كنت آمرك في الدنيا فتعصيني، ولست تاركك اليوم، فخُذْ بحقْوي! فيأخذ بِضَبْعَيْه، فيمسخ ضَبُعًا، فإذا رآه قد مُسِخَ تبرَّأ منه. [وهذا الأثر فيه ابن حميد شيخ ابن جرير وهو متكلم فيه]
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ الله، وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين له أن أباه لله عدوٌّ، يبرأ منه، وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدوٌّ، وهو به مشرك، وهو حالُ موته على شركه.
هذا آخر كلام الإمام الطبري رحمه الله. في جامع البيان.
آثار أخرى ليست في تفسير الطبري رحمه الله:
*روى ابن أبي حاتم في تفسيره (6/ 1893/10050 تحقيق أسعد محمد الطيب) عن ابن المسيب عن أبيه فلما تبين له انه عدو لله قال: لما مات وهو كافر - قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والحسن أنهما قالا: لما مات.
ويتضح من هذه النقول أن أثر ابن عباس رضي الله عنهما رواه سعيد بن جبير عنه، وهو قائل بالقول الثاني، أيضا، فالجمع بين التفسيرين أولى، والله أعلم
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[09 Dec 2009, 07:10 ص]ـ
بارك الله فيكم يا أهل العلم ونفع بكم.
وما ذكره أخي حكيم بن منصور وجيهٌ، فتبين إبراهيم عداوة أبيه واليقين بعدم إيمانه يتحقق بموت آزر على الكفر مع علم إبراهيم بذلك، وموقفه المذكور في الحديث يوم القيامة يؤكد لإبراهيم الأمر أيضاً.
ولا أظنُّ أن إبراهيم عليه السلام يدع تعاهد والده بالسؤال عنه في حياته بعد فراقه له لكونه كافراً، فبر الوالدين مأمور به حتى في حال الكفر، والتعاهد بالسؤال أقل درجات البر. وليس بالضرورة قول أخي الدكتور أحمد القصير: (وهو بعد تلك المفارقة لا يدري ما حال أبيه) لأنه ليس كل ما يدور في حياة إبراهيم قصه الله علينا ورواه لنبيه، بدلالة: (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) فمن دلالالتها أنه قص بعض أخبار الأنبياء ولم يستوعبها لنبيه صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[09 Dec 2009, 04:20 م]ـ
الأخوة الكرام،
في ظني: يكمن سبب الخوض بعيداً عن ظاهر النصوص القرآنية في المسألة المطروحة في الآتي:
1. عدم التفريق بين معنى لفظة (أب) ولفظة (والد). فالوالد هو الأب المباشر (الأقرب). أما الأب فيمكن أن يكون الوالد ويمكن أن يكون الجد وإن علا، ويمكن أن يكون العم. يقول سبحانه في سورة يوسف:"وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ .. " ومعلوم أن يعقوب هو الوالد، وإسحاق هو الجد وإبراهيم هو جد الوالد، سلام الله عليهم جميعاً. وورد في آية أخرى أن إسماعيل عليه السلام هو أب أيضاً على الرغم من كونه عم الوالد:"أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ".
2. ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري وذكر في المداخلات:" ... فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟ " لأن الأب الأقرب هو الوالد وكان مؤمناً بدليل ما ورد في دعاء إبراهيم عليه السلام في شيخوخته:" رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ".
وعليه فآزر يمكن أن يكون الجد أو العم. أما الولد فكان مؤمناً. وكان تبرّؤ إبراهيم من آزر بعد أن تبين له أنه عدو لله، وليس بعد أن تبين له كفره بموته. وهناك فرق بين الكافر العدو والكافر غير العدو، فالكافر العدو نقابله بالعداوة والبغضاء والكافر غير العدو يمكن أن نعامله بالبر.
¥