وأما إذا اختلفوا وتبين أنهم قالوا ذلك اجتهادا منهم فإن ظهور أقوال قد تتناقض مع أقوالهم أمر مقبول، والقول بذلك لا يعني تخطئتهم في ما قالوا، ولا عيب عليهم في ذلك. ذلك أن هذا اجتهاد منهم فيما لا نص فيه. وذلك كالكشف عن بعض التفصيلات العلمية التي لم يكن للسلف أن يصلوا عليها في زمانهم0
والذي يدل على ذلك أيضا وورود آراء متناقضة عن السلف أنفسهم فيما لا نص فيه
القضية السابعة: موضوع الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات
يتبنى الأستاذ مساعد الطيار الرأي القائل بأن الأحرف السبعة هي سبعة من الوجوه التي يقع بها التغاير، ورد على من قال: إن عثمان حذف ستة أحرف قرآنية، وأن ذلك لا يتفق مع منطوق قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ثم قال:
(1) – ومن قال بأن الأمة مخيرة بين هذه الأحرف، فلا دليل عنده ولا يوافق قوله منطوق هذه الآية ولو كان ما يقوله صحيحا لوكل على المسلمين حفظ القرآن كما وكل إلى من قبلهم حفظ كتب الله. وأنت على خبر بالفرق بين الحفظين.
(2) - وقال مستدلا: بأن من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله فكيف بمن ترك أكثره مما هو منزل واقتصر على واحد، هذا ما لا يمكن أن يقع فيه صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه فإن القول بأن القراءات التي يقرأ بها اليوم حرف واحد لا يصح البتة ولا دليل عليه (ص96 - 99) بحذف وتصرف.
ويرى أن مصحف أبي بكر حوى ما بقي من الأحرف السبعة التي ثبتت في العرضة الأخيرة، وأن عمل عثمان قام على نسخ المصحف من مصحف أبي بكر ثم توزيع الأحرف التي تختلف القراءة بها في هذه المصاحف، ولم يترك منها شيئا أو يحذف منها حرفا. والذي يدل على ذلك الاختلاف في رسوم المصاحف العثمانية (ص100 - 101) بتصرف يسير.
وفي تفسيره للاختلاف الذي وقع بين الناس في زمن عثمان وقبل الجمع يقول: إن القراءة قبل هذا الجمع لم تكن صادرة عن إجماع الصحابة، وإلزام الناس بما ثبت في العرضة الأخيرة مما كتبه زيد في مصحف أبي بكر، والذي يدل على ذلك أن قراء الصحابة كانوا يقرئون الناس بما صح عندهم عن نبيهم – صلى الله عليه وسلم- وليس كلهم بلغه ما نسخ في العرضة الأخيرة. (ص101).
ويشير في (ص103) على أن الصحابة كانوا يقرئون بما سمعوه منه الرسول – صلى الله عليه وسلم- وكان في ذلك المقروء كثير من المنسوخ في العرضة الأخيرة.
المناقشة: إن القائلين بأن الأمة كانت مخيرة بين هذه الأحرف ساقوا أدلة كثيرة على هذا نقلية وعقلية، والذي يقرا ما كتبه الإمام الطبري – رحمه الله – في مقدمته يرى ذلك بالوضوح التام.
والقول بأن القول بالتخيير لا يوافق منطوق قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).قول غير دقيق؛ ذلك لأن القائلين بهذا القول لا يشكون لحظة واحدة بأن القرآن محفوظ، وأن الاقتصار على حرف واحد لا يعني العبث بالقرآن أو عدم حفظه البتة، بل إن إبقاء الحروف الأخرى مع ظهور تلك المشكلات في زمن عثمان- رضي الله عنه- كان يمكن أن يؤدي إلى نتيجة غير محمودة.
ثم إن الإمام الطبري يشير إلى أن اختلاف الأحرف وذهاب بعضها لا يترتب عليه انتقاص من القرآن. ثم أين وجه التيسير في القول الذي اختاره الدكتور مساعد.
وقوله: إن من كفر بحرف فقد كفر به كله فكيف بمن ترك أكثره. قول يحتاج إلى وقفة، ذلك أن القائلين بالاقتصار على حرف واحد لم ينكروا الأحرف الأخرى ولم يكفروا بها، بل هم يقرون بهذه الحرف ولكنهم رأوا أن الأمة مخيرة، فلها أن تأخذ بما تشاء وتدع ما تشاء، كما هو الحال مع القراءات في هذا الزمن، أفلسنا اليوم نتخير في الأخذ بقراءة معينة مع عدم إنكار القراءات الأخرى. وقولهم هذا مبني على أدلة قوية.
قوله: إن عثمان نسخ المصاحف من مصحف أبي بكر ثم توزيع الأحرف التي تختلف القراءة بها قول كذلك لا يصلح دليلا على ما ذهب إليه.
وذلك أن عمل عثمان اقتصر على نسخ مصحف أبي بكر كما هو، ولم يثبت أته قام بتوزيع الأحرف كلها على المصاحف، ثم إن الذي رسم مختلفا بين المصاحف كلمات قليلة عدها العلماء فكيف يكون هذا مع الاختلاف الكبير بين الأحرف
وهذا الموضوع قتل بحثا، ينظر في مظانه، وكان يمكن أن يتسع به القول، وفي ما ذكرته غنية.
¥