ثم إن مجرد أن يوفق المفسر بين هذه الآية وتلك، لا يعني أنه قد فسر اجتهادا. فهو لم يوضح المعنى من عنده بل من كلام الله الآخر عليه، فلا يصح إدخال تفسير القرآن بالقرآن في دائرة الرأي.
ثم هل المفسر عندما يفسر القرآن بالقرآن يلتزم حدود النص، فلا يخرج عنه مراعيا ما كان صريحا من تفسير القرآن بالقرآن كما في قوله تعالى {والسماء والطارق، النجم الثاقب} فهذا المثال يوضح أن القرآن فسر نفسه بنفسه. فقول المفسر ي بيان معنى الطارق أنه النجم الثاقب كما بينه الله تعالى في كتابه لا يجعله اجتهادا، لأن قول المفسر ما هو إلا مجرد وصف لما بين الله تعالى.
وانبثاقا مما سبق فإننا لا نوافق الدكتور مساعد – حفظه الله- في ما ذهب إليه من جعل تفسير القرآن بالقرآن من الرأي.هذا من جهة
وبناء على ما سبق أيضا فإن هذا النوع من التفسير يختلف عن تفسير الصحابة الذي ليس من هذا القبيل، فحينما يفسر الصحابي آية برأيه مثلا فتفسيره هذا يكون من مشرب آخر غير مشرب تفسير القرآن بالقرآن. وجعلهما من مشرب واحد ومن مشكاة واحدة مما لا يقبل.
القضية العاشرة: يرى أن تفسير قوله تعالى ولقد" فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب " مجمل ما جاء مرويا هن بني إسرائيل من تسلط الشيطان على سليمان عليه السلام، وأنه بلغ من تسليطه أنه سلبه ملكه وأنكره الناس , حتى عاد إليه ملكه وانتقم من هذا الشيطان العاتي هو الذي ينبغي الأخذ به واستدل بما يلي:
*هو قول جمهور المفسرين حتى إنه لا يكاد يوجد خلاف بين السلف على المجمل من القصة.
*السياق يشير إلى هذا المجمل وذلك لأنه لما طلب المُلْك الذي لا ينبغي لأحد من بعده, كان منه تحكمه في الشياطين, ولم يكن قبل فتنته معصوما عن تسلطهم عليه.
*أن هذا القول لا يدعوا إلى الغرابة؛ لأن الله يبتلي عباده بما يشاء واستدل على ذلك بحادثة سحر النبي – صلى الله عليه وسلم- وأن هذا السحر كان متسلط الشيطان عليه, وكان هذا ابتلاءا للنبي– صلى الله عليه وسلم- ثم نجاه الله منه ص (198) بتصرف.
المناقشة: أما قوله: بأن هذا قول جمهور المفسرين، فليس دقيقا لأن هذا ليس قول الجمهور منهم، هذا أولاً. وأما ثانيا فإن المفسرين حينما ذهبوا إلى هذا القول كانت لهم أيضا آراء متعددة.
ثم إن ما ذكر حول تسلط الشيطان على سليمان من روايات ففيها من الإسرائيليات الشيء الكثير مما لا ينبغي الاعتماد عليه.
أما القول بأن الشيطان تسلط على سليمان، وأنه منع- أي الشيطان- من ذلك بعد دعوة سليمان الله أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد ومنه تسلطه على الشياطين قول غير مقبول وذلك:
لأن القول بأن الشيطان يمكن أن يتسلط على أحد من الأنبياء قول يتنافى مع العصمة؛ وذلك لأن الأنبياء معصومون قبل البعثة وبعدها، فكيف يتسلط على سليمان وهو نبي.
ثم إنه من المعلوم أنه ليس كل الأنبياء سلط على الشياطيين، فهل يعني هذا أن الشياطين تتسلط عليهم.
أما مسألة سحر النبي فمع أن هذه القضية للعلماء فيها قديما وحديثا آراء متعددة -لا يتسع المقام لعرضها – فقد جاءت لتبين في المقام الأول مكر يهود وخبثهم تجاه نبي الإسلام عليه السلام وأمته.
وما جاء من أحاديث فيها فإنما لبيان ذلك، ومن المعلوم كذلك أن أمر سحره عليه السلام لم يؤثر في شخصيته.
ثم ليس كل قول اشتهر عند جمهرة المفسرين يؤخذ به، فهناك أقوال لا يمكن الأخذ بها على الرغم من شهرتها.
وللمزيد في هذه القضية ينظر كتاب أستاذنا الدكتور فضل حسن عباس (التفسير أساسياته واتجاهاته ص 295).
القضية الحادية عشرة:: يقول: فإن مصطلح التفسير التحليلي مصطلح معاصر ,وهو تقسيم فني لكتب التفسير, وليس له ثمرة كبيرة , و أول من رأيته قسم التفسير إلى أنواع من هذا القبيل الدكتور أحمد جمال العمري في كتابه (دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني) ولا أعرف هل سبق أم لا؟ وقد ذكر ثلاثة أبواب: التحليلي ,الإجمالي ,الموضوعي.
وقد زاد الأستاذ الدكتور فهو الرومي في كتابه (بحوث في أصول التفسير ومناهجه) لونا رابعا وهو التفسير المقارن.
ثم يقول: وأرى أن هذه التقسيمات لا جدوى منها , فهي تقسيمات فنيه ,
ولا يكاد يخلو منها تفسير من التفاسير المطولة – عدا التفسير الموضوعي الذي هو وليد هذا العصر ... ص (239) بتصرف يسير.
¥