النوع الأول: هو الذي يتعدى إلى واحد بنفسه تارة، وبالجار تارة أخرى؛ كشكر ونصح وقصد تقول: شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، وقصدته وقصدت له، وقصدت إليه. قال تعالى:? وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ? (النحل:114). وقال تعالى:? وََاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ? (البقرة:172).
النوع الثاني: هو الذي يتعدى إلى مفعول واحد دائمًا بالجار؛ كقولك: غضبت من زيد، ومررت به، أو عليه.
النوع الثالث: هو الذي يتعدى إلى مفعولين: الأول بنفسه، والثاني بحرف الجر؛ كقوله تعالى:
? قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ? (البقرة:33). وقوله تعالى:? نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ? (الأنعام:143). ? وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ ? (الحجر:51).
وقد يحذف الحرف ويبقى المفعول الثاني. وقد يحذف كليهما لتقدم ذكرهما؛ كما في قوله تعالى: ? فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ? (التحريم:3).
ثانيًا- واضح مما تقدم أنه لا يصح أن يطلق مصطلح (المتعدي بالحرف) على الفعل إلا إذا كان المتعدَّى إليه بهذا الحرف مفعولاً به في الأصل؛ كقولك: سهوت عن الصلاة، وفي الصلاة. وقولك: رغبت في الشيء، وعن الشيء. وقولك: دخلت في البيت، وإلى البيت ... وهذا ظاهر في كل الأمثلة السابقة، والأمثلة التي نقلها الدكتور الأنصاري عن العلماء في الفصل الأول من كتابه المذكور.
وإلى هذا نبَّه ابن هشام في قوله الذي تقدم ذكره: (فإن قلت: فإنك تقول: حدث لي أمر، وعرض لي سفر. فعندي أن هذا الظرف صفة المرفوع المتأخر تقدم عليه، فصار حالاً، فتعلقه أولاً وآخرًا بمحذوف، وهو الكون المطلق. أو متعلق بالفعل المذكور على أنه مفعول لأجله، والكلام في المفعول به).
وقوله أيضًا: (فإن قلت: وكذلك تقول: ذلَّ بالضرب، وسمِن بكذا. قلت: المجروران مفعول لأجله، لا مفعول به).
والملاحظ أن الدكتور الأنصاري في حديثه عن الفعل المتعدي بالحرف أنه خلط بين المفعول به، والمفعول فيه، والمفعول لأجله، فجعل كل فعل ذكر بعده أحد هذه المفعولات، أو غيرها مجرورًا بالحرف متعديًا بحرف الجر. ولم يكتف بذلك، بل جعل الظرف (مع) بمنزلة حرف الجر. وقد كان الكوفيون يخلطون بين الظروف وحروف الجر، فهي كلها عندهم حروف جر ..
وسأكتفي في بيان ذلك بالحديث عن فعلين ذكرهما الدكتور الأنصاري في الفصل الثاني من كتابه، وهما الفعل (دخل)، والفعل (خرج) ..
الفعل الأول- (دخل):?
قال: ((الفعل " دخل " تنوعّت دلالاته تبعًا لتعدد تعديته بحروف الجر التي يكتسب معها الفعل من معانيها الأصلية من الدلالات الموحية التي يعين على إبرازها السياق والمقام. وقد جاء في القرآن الكريم متعديًا بنفسه كما في قوله تعالى:? وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ? (لكهف 35)، وقوله تعالى:? قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا ? (النمل:34).
وورد متعديا بـ (على)، و (في)، و (من)، و (الباء)، و (مع)، فدل على معان متباينة طبقًا للحرف المتعدى به.?
والدخول: نقيض الخروج، ويستعمل ذلك في المكان والزمان، وحقيقته كما يقول الطاهر بن عاشور:” نفوذ الجسم في جسم أو مكان محوط كالبيت والمسجد “. وحين تعدى فعل الدخول بـ (على) دلّ حرف الاستعلاء على ارتفاع المكان وإشرافه وعلوه، وأن الداخل أو المأمور بالدخول فيه مطالب بمزيد من التحمل والصبر على ما يلاقيه من الضرر والمشقة، وإن بقي لكل سياق مزيد خصوصية بما تشيعه تراكيبه من الدلالات والأغراض التي لا تجدها في السياق الآخر ...
وبتأمل مواطن تعدية الدخول بـ (على) في القرآن الكريم نجد له الدلالة التي ذكرناها آنفا في قوله تعالى:? وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ? (آل عمران 37). فـ (على) بدلالته على الاستعلاء يشير إلى ارتفاع المكان الذي فيه مريم عليها السلام وعلوه وقد نصّ المفسرون على أن زكريا عليه السلام بنى لها محرابا في المسجد أي غرفة يصعد إليها بسلم.
¥