تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو أن (على) توحي بمشقة زكريا عليه السلام وهو شيخ كبير في الوصول إليها، ومعاناته في كفالته لها، والقيام على رايتها حقّ الرعاية على أكمل وجه.

ولنفس الغرض جاءت (على) حين تعدى بها فعل الدخول في قصة يوسف عليه السلام في أربعة مواطن، منها قوله تعالى:? وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ? (يوسف: 58)، وقوله تعالى:? وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ? (يوسف:69)، فهي تدل على ارتفاع مكان يوسف وعلوه، وأنهم قد وجدوا من المشقة والصعاب ما وجدوه في سبيل الوصول إليه والدخول عليه.

ومن الأمثلة التي ذكرها على تعدي (دخل) بـ (مع) قوله تعالى:? وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ? (يوسف: 36). قال: فدلت كلمة المصاحبة (مع) على أن دخول هذين الفتيين السجن كان بمعية يوسف مصاحبين له ملحقين به، ولو رمت حذف (مع) من هذه الآية الكريمة، فلن تجد هذه المعاني التي أومأت إليها كلمة المصاحبة من أن دخول الثلاثة السجن في آن واحد.

ونشرت الباء بدلالتها على الإلصاق والملابسة على فعل الدخول حين تعدى بها معنى الجماع في قوله تعالى:? وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ? (النساء:23). يقال: دخل بعروسه: جامعها، ومعنى دخلتم بهن: جامعتوهن، وهو كناية عن الجماع، وقد أعانت الباء على تحقيق الكناية في قوله:? دخلتم بهن ? بما لا يمكن أن تنهض به الحقيقة؛ كما قدرها الزمخشري بقوله: يعني: أدخلتموهن الستر "، مما يدل على قدرة هذه اللغة على الوفاء بآداب الإسلام، وما يوجبه من الترفع عن التصريح بما يستحسن الكناية عنه، إلى جانب ما جسدته الباء بما فيها من اللصوق والملابسة من الدلالة على شدة الارتباط والقرب الروحي، والمخالطة النفسية بين الزوجين، بما يحقق الغاية من قوله تعالى:? وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْها ? (الروم:21) ... )).

هذا ما ذكره الدكتور الأنصاري عن تعدي الفعل (دخل) .. وكان قد سبق لي أن ذكرت في هذا الرابط:

http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4991&highlight=%E5%D0%C7+%C7%E1%CA%E6%CC%ED%E5

أن الفعل (دخل) يستعمل لازمًا تارة. ومتعديًا تارة أخرى. ومتعديًا ولازمًا تارة ثالثة.

أما كونه لازمًا فلأن مصدره على: فعول، وهو غالب في الأفعال اللازمة؛ ولأن نظيره ونقيضه كذلك: (عبرت)، و (خرجت)، وكلاهما لازم. ويتعين كونه لازمًا، إذا كان المدخول فيه مكانًا غير مختص؛ كقوله تعالى:? ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم ? (الأعراف:38). وقوله تعالى:? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السَّّلْمِ كَآفَّةً ? (البقرة: 208).

فإذا كان المدخول فيه مكانًا مختصًّا فإما أن يكون ذلك المكان متسعًا جدًّا، بحيث يكون كالبلد العظيم. أو يكون ضيِّقًا جدًّا، بحيث يكون الدخول فيه ولوجًا وتقحمًا. أو يكون وسطًا بينهما.

فإذا كان الأول، لم يكن من نصبه بدٌّ؛ كقول العرب: دخلت الكوفة، والحجاز، والعراق. ويقبُح أن يقال: دخلت في الكوفة، وفي الحجاز، وفي العراق، مع جوازه. ومنه قوله تعالى:? يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ ? (المائدة:21). وقوله تعالى:? ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ? (النحل:32).

وإذا كان الثاني، لم يكن من جره بدٌّ؛ كقولهم: (دخلت في البئر).

وإذا كان الثالث، جاز فيه النصب، والجر؛ كقولهم: دخلت المسجد، وفي المسجد. ونصبه أبلغ من جره. وانتصابه على المفعول به، لا على نزع الخافض؛ لأن الأصل في الفعل (دخل) المتعدي إلى المكان المختص التعدي بنفسه، خلافًا للفعل (ذهب) في قولهم: ذهبت الشام؛ لأن الأصل في هذا اللزوم. ومنه قوله تعالى:? يَا أيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ? (النمل:18).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير