تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأمر الثاني - ما جاء من الأدلة على أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يورث عنهم المال، وإنما يورث عنهم العلم والدين فمن ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نورث، ما تركنا صدقه» ومن ذلك أيضاً ما رواه الشيخان أيضاً عن عمر رضي الله عنه أنه قال لعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وعلي والعباس رضي الله عنهم (أنشدكم الله الذي بغذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقه) قالوا: نعم.

ومن ذلك ما أخرجه الشيخان أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم حين توفي أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن. فقالت عائشة: أليس قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «ما تركنا صدقة» ومن ذلك ما رواه الشيخان أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتسم ورثتي ديناراً، ما تركتُ بعد نَفَقَة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقةٌ» وفي لفظ عند أحمد: «لا تقتسم ورثني ديناراً ولا درهماً» ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه. عن أبي هريرة: أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي وأهلي؟ قالت: فما لنا لا نرث النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن النَّبي لا يورث» ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله، وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق.

فهذه الأحاديث وأمثالها ظاهرة في أن الأنبياء لا يورث عنهم المال بل العلم والدين.

فإن قيل: هذا مختص به صلى الله عليه وسلم. لأن قوله «لا نورث» يعني به نفسه. كما قال عمر رضي الله عنه في الحديث الصحيح المشار إليه عنه آنفاً: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله قال: «لانورث ما تركنا صدقة» يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه. فقال الرهط: قد قال ذلك الحديث. ففي هذا الحديث الصحيح أن عمر قال: إن مراد النَّبي صلى الله عليه وسلم بقوله «لا نورث» نفسه، وصدقه الجماعة المذكورون في ذلك، وهذا دليل على الخصوص فلا مانع إذن من كون الموروث عن زكريا في الآية التي نحن بصددها هو المال؟

فالجواب من أوجه:

الأول - أن ظاهر صيغة الجمع شمول جميع الأنبياء، فلا يجوز العدول عن هذا الظاهر إلا بدليل من كتاب أو سنة , وقولُ عمرَ لا يصح تخصيص نص من السنة به , لأن النصوص لا يصح تخصيصها بأقوال الصحابة على التحقيق كما هو مقرر في الأصول.

الوجه الثاني - أن قولَ عمرَ «يريد صلى الله عليه وسلم نفسه» لا ينافي شمولا الحكم لغيره من الأنبياء، لاحتمال أن يكون قصده يريد أنه هو صلى الله عليه وسلم يعني نفسه فإنه لا يورث، ولم يقل عمرُ إن اللفظ لم يشمل غيره، وكونه يعني نفسه لا ينافي أن غيره من الأنبياء لا يورث أيضاً.

الوجه الثالث - ما جاء من الأحاديث صريحاً في عموم عدم الإرث المالي في جميع الأنبياء. وسنذكر طرفاً من ذلك هنا إن شاء الله تعالى.

قال ابن حجر في فتح الباري ما نصه:

وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» فقد أنكره جماعة من الأئمة، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ «نحن» لكن أخرجه النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد بلفظ «إنا معاشر الأنبياء لا نورث. .» الحديث وأخرجه عن محمد بن منصور، عن ابن عيينة عنه، وهو كذلك في مسند الحميدي عن ابن عيينة، وهو من أتقن أصحاب ابن عيينة فيه. وأورده الهيثم بن كليب في مسنده من حديث أبي بكر الصديق باللفظ المذكور. وأخرجه الطبراني في الأوسط بنحو اللفظ المذكور. وأخرجه الدارقطني في العلل من رواية أم هانىء عن فاطمة رضي الله عنها، عن أبي بكر الصديق بلفظ «إن الأنبياء لا يورثون» انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر.

وقد رأيت فيه هذه الطرق التي فيها التصريح بعموم الأنبياء. وقد قال ابن حجر: إن إنكار الحديث المذكور غير مسلم إلا بالنسبة لخصوص لفظ «نحن» وهذه الروايات التي أشار لها تشد بعضَها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير