الثالث - وهو الذي ذكرنا أن فيه بُعداً هو ما ذكره ابن جرير عن عكرمة والسدي: من أن زكريا لما نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى، قال له الشيطان: ليس هذا نداء الملائكة، وإنما هو نداء الشيطان، فداخل زكريا الشك في أن النداء من الشيطان، فقال عند ذلك الشك الناشىء عن وسوسة الشيطان قبل أن يتيقن أنه من الله: {أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} ولذا طلب الآية من الله على ذلك بقوله: {رَبِّ اجعل لي آيَةً} الآية
وإنما قلنا: إن هذا القول فيه بُعدٌ لأنه لا يلتبس على زكريا نداء الملائكة بنداء الشيطان.
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[21 Jul 2008, 11:35 ص]ـ
قال الشيخ - رحمه الله وغفر له - عند تفسيره قولَ الله تعالى (ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشيّاً)
فيه سؤالٌ معروفٌ , وهو أن يقال: ما وجه ذكر البكرة والعشيِّ, مع أنّ الجنّة ضياءٌ دائمٌ ولا ليل فيها. وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة:
الأول: أن المراد بالبكرة والعشي قدر ذلك من الزمن، كقوله: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} أي قدر شهر. وروي معنى هذا عن ابن عباس، وابن جريج وغيرهما.
الجواب الثاني: أن العرب كانت في زمنها ترى أن من وجد غداءً وعشاءً فذلك الناعم، فنزلت الآية مرغبة لهم وإن كان في الجنة أكثر من ذلك. ويروى هذا عن قتادة، والحسن، ويحيى بن أبي كثير.
الجواب الثالث: أن العرب تعبر عن الدوام بالبكرة والعشي، والمساء والصباح، كما يقول الرجل: أنا عند فلان صباحاً ومساءً، وبكرة وعشياً. يريد الديمومة ولا يقصد الوقتين المعلومين.
الجواب الرابع: أن تكون البكرة هي الوقت الذي قبل اشتغالهم بلذاتهم. والعشي: هو الوقت الذي بعد فراغهم من لذاتهم، لأنه يتخللها فترات انتقال من حال إلى حال. وهذا يرجع معناه إلى الجواب الأول.
الجواب الخامس: هو ما رواه الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" من حديث أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا: "قال رجل: يا رسول الله، هل في الجنة من ليل؟ قال: "وما يهيجك على هذا"؟ قال: سمعت الله تعالى يذكر: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً}، فقلت: الليل بين البكرة والعشي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس هناك ليل، إنما هو ضوء ونور، يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو، تأتيهم طرف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة" انتهى بواسطة نقل صاحب الدر المنثور والقرطبي في تفسيره.
وقال القرطبي بعد أن نقل هذا: وهذا في غاية البيان لمعنى الآية. وقد ذكرناه في كتاب "التذكرة" ثم قال: وقال العلماء ليس في الجنة ليل ولا نهار، وإنما هم في نور أبداً، إنما يعرفون مقدار الليل من النهار بإرخاء الحجب، وإغلاق الأبواب. ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب، وفتح الأبواب. ذكره أبو الفرج الجوزي والمهدوي وغيرهما ا هـ منه. وهذا الجواب الأخير الذي ذكره الحكيم الترمذي عن الحسن وأبي قلابة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم راجع إلى الجواب الأول. والعلم عند الله تعالى.
وقال رحمه الله عند قول الله تعالى (ويقول الإنسانُ أئذا ما متّ لسوف أخْرجُ حيّا)
فإن قيل: أين العامل في الظرف الذي هو "إِذَا".؟
فالجواب: أنه منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط؛ وتقديره: أأخرج حياً إذا ما مت أي حين يتمكّن في الموت والهلاك أخرج حياً. يعني لا يمكن ذلك.
فإن قيل: لم لا تقول بأنه منصوب بـ"أَخْرَجَ"، المذكور في قوله: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً}، على العادة المعروفة، من أن العامل في {إِذَا} هو جزاؤِها؟
فالجواب: أن لام الابتداء في قوله: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً}، مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها كما هو معلوم في علم العربية. فلا يجوز أن تقول: اليوم لزيْدٌ قائم؛ تعني لزيد قائم اليوم. وما زعمه بعضهم من أن حرف التنفيس الذي هو سوف مانع من عمل ما بعده فيما قبله أيضاً، حتى إنه على قراءة طلحة بن مصرف {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً}، بدون اللام يمتنع نصب "إِذَا" بـ"أَخْرَجَ" المذكورة؛ فهو خلاف التحقيق.
والتحقيق أن حرف التنفيس لا يمنع من عمل ما بعده فيما قبله. ودليله وجوده في كلام العرب؛ كقول الشاعر:
فلما رأته آمنا هان وجدها ** وقالت أبونا هكذا سوف يفعل
¥