تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإني وإن كنت في ابتداء تدريسي أروم تثبيت الحفظ لدى الحافظات لكنه كان يثير قلقي ويفجر مشاعر الحزن في نفسي انكباب الكثير على حفظ القرآن دون تدبره وفهمه، حتى إنه ليتخرج سنوياً المئات ولكن الكثير لا يفقه معاني قصار السور فضلاً عن طوالها!! بل أصبح الاهتمام بدراسة التجويد أكثر من الاهتمام بفهم معاني الآيات وتدبرها! وليس هذا مراد الله تعالى من إنزال الكتاب؛ لأنه تعالى قال في محكم التنزيل: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَاب] (ص: 29)، كما لم يكن هذا هدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا سلفنا الصالح، وبدأت أشعر بالغربة تجاه الانفصام بين الهدف المنشود وتطبيقه والغاية منه وبين واقعنا المؤسف بسبب وجود كثير من العقبات من الفتن وغيرها التي تقف أمام جيلنا الطالع، والبون الشاسع بينه وبين ما كان عليه سلفنا الكرام، حيث كان أحدهم قرآناً يمشي على الأرض. مما جعل همّ تعليم كتاب الله وُفق مراده سبحانه وتعالى يُثقل كاهلي، وشعرت بمسؤولية كبيرة تجاه هذا الأمر.

فبدأت أطور فكرتي وأبلورها بحيث يكون منهلنا لجميع علومنا الشرعية من مظانّه الصحيحة، وهي كتاب الله، وما حوى من العلم الشرعي في شتى الفنون، وهو أفضل ما تكتسبه النفوس، وتحصّله القلوب ويزيد العبد رفعة في الدنيا والآخرة؛ فشرف العلم بحسب شرف معلومه والحاجة إليه.

وعملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لايؤمن أحدكم حتى يُحبّ لأخيه ما يحب لنفسه"، وارتقاءً بالمستوى التعليمي لأخواتي في الله، وحبَّا في أن يعمَّ الخير كل من لم يتسنَّ لها طلب العلم الشرعي الأكاديمي استعنت بالله وبدأت أول دورة علمية شرعية شاملة، وكانت البداية حفظ وتفسير سورة البقرة، وكان هدفي أن تحصل الدارسة على علم شرعي جامع للعقيدة، والفقه، والحديث، وبعض قواعد التفسير وأصوله، وهكذا قمت بطباعة ملازم توزع على الطالبات وفيها تقسيم موضوعات السورة، والمناسبة ووجه الربط - إن وُجد - وشرح المفردات اللغوية، وشرح موضوع الآيات شرحاً إجمالياً، ثم هداية الآيات والفوائد المستنبطة منها، وأوليت اهتماماً كبيراً بآيات الأحكام، حيث كنت أقوم بشرحها شرحاً مفصَّلاً وأتعرض لمسائلها، كما هو بيِّن في كتابي الدُّرة في تفسير سورة البقرة، وكما سيأتي إن شاء الله لاحقاً في تفسير سورة النساء، وسورة المائدة، حيث هما قيد الطبع.

كذلك حرصت على تدريس قواعد التفسير من خلال الآيات، كأن يعرض لي أثناء التفسير أكثر من معنى للآية فأذكر القاعدة في ذلك: وهي أنه إذا كان للآية أكثر من وجه في تفسيرها ولا تعارض بينها فتُحمل الآية عليها، وإن كان هناك تعارض عمدنا إلى الترجيح. وهكذا مع عامّة القواعد التي تمر بي خلال التفسير.

وركّزت كثيراً على فهم قاعدةِ مناسبةِ خاتمةِ الآية لسياقها، وأذكر اللطائف التي قد ترد في هذا الباب، وكنت أتوقف تقريباً مع خاتمة كل آية وأذكر وجه مناسبتها لسياقها، وذلك لما لمسته من ضعف شديد في حفظ خواتيم الآيات، والخلط بين خواتيم آية وآية أخرى، وما ذاك إلا لهذُّ الآيات هذّاً، ونثرها نثر الدّقل، وقلّة اعتياد تدبّرها وفهمها فهماً يعين على استنباط الخاتمة المناسبة لها.

كما اعتنيت بتأصيل قاعدة التعامل مع الإسرائيليات الواردة في بعض التفاسير كما بيَّنها ابن تيمية رحمه الله تعالى، وشرحها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.

وهكذا في علوم السُّنَّة والحديث، حيث كنت ألزم الدارسات حفظ الشواهد من الأحاديث التي تمر بنا في التفسير، مما يعين الدارسة على تحصيل كمّاً لا بأس به من أحاديث الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم الصحيحة حفظاً ودراسة. وأتعرض لشيء من التفصيل عند مرورنا بآيات الغزوات وما يتعلّق بالسيرة النبوية. وكذلك العقيدة وما يتعلق بها من شرح قواعد الأسماء والصفات، وأصول الإيمان وغيرها ...

ولم أغفل ما حوى كتاب الله مما يُحرك القلوب بالترغيب تارة والترهيب أخرى، وما فيه من المواعظ والحثّ على تقواه جلّ في علاه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير