ويجوز أن يكون المصطلح (التفسير الجملي) نسبة إلى الجملة لا الإجمال، جاء في مادة (جمل) من تاج العروس: ((وجمل يجمل جملاً: إذا جمع)) وجاء فيه أيضًا: ((والجُملَةُ بالضمّ: جَماعَةُ الشيء كأنها اشتُقَّت مِن جُمْلَة الحَبلِ؛ لأنها قُوًى كثيرةٌ جُمِعَتْ فأَجْمَلَتْ جُمْلةً. وقال الراغب: واعتُبِر معنى الكَثْرةِ فقِيل لكُلِّ جَماعةٍ غيرُ منفصِلة: جُملَةٌ. قلت: ومنه أَخذ النَّحويّون الجُملَة لِمُرَّكبٍ من كلمتين أُسْنِدت إحداهما للأُخرى. وفي التنزيل: (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيهِ الْقُرآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)؛ أي: مُجْتَمِعاً لا كما أُنْزِل نُجُوماً مُفْتَرِقة .. )).
وهذا التعبير (التفسير الجملي) قد استخدمه بعض المعاصرين ـ مثل المراغي في تفسيره ـ لكن اشتهر مصطلح (التفسير الإجمالي)، واستحوذ على مصطلح (التفسير الجملي).ومعنى هذا المصطلح أن المفسر يفسر الآية جملة واحدة، ولا يفكك ألفاظها ويفسرها لفظة لفظة كما يُفعل في التحليلي.
خامسًا: المقارن:
وهو مأخوذ من قرن، والمراد بالمقارن: الموازن، وليس في لغة العرب قارن بمعنى وازن، لكنه خطأ مشهور، والصواب: الموازن؛ لأنك تقول: قرن بين كذا وكذا إذا ربطهما ببعض، والمراد بعملك هنا هو الموازنة، وليس مجرد الربط.
وقد اختلف مراد من اصطلح على هذا المصطلح في ما يكون فيه المقارنة (الموازنة)، فذهب بعضهم إلى أن المراد: المقارنة (الموازنة) بين الأقوال التفسيرية لإخراج الراجح من المرجوح، وتوسع آخرون فأدخلوا فيه: المقارنة (الموازنة) بين القرآن و الكتب السماوية، وغيرها.
وبعد بيان المصطلحات أدخل إلى مسائل لتوضيح ما وقع في هذا التقسيم من نظر، فأقول:
أولاً: لا يخلو تفسير من التفاسير المطولة من أن يكون فيه مثل هذه الأنواع، فإذا كان تفسير القرآن بالقرآن يدخل في التفسير الموضوعي عند بعضهم، فتفسير الطبري (ت: 310) تحليلي إجمالي مقارن موضوعي، وكذا غيره من مطولات التفسير.
فإن قال قائل: هذا ليس عيبًا.
فأقول: إنما أردت أن أنبه إلى أن الطبري لم يخل من هذه الأقسام المذكورة، ولا تخلو منه مطولات التفسير أيضًا.
ثانيًا: إن هذا التقسيم لا يُبنى عليه علمٌ، وهو في الحقيقة تقسيم فنيٌّ لأسلوب الكتابة في التفسير، وليس تقسيمًا للتفسير.
ثالثًا: إذا كان قد تبين لك معنى التفسير على ما ذكرت لك، فإن من المشكل إضافة هذه الأنواع الأربعة إلى التفسير؛ لأنه يُفهم من هذا التقسيم أن التفسير منقسم، والتفسير شيء واحد، وليس بمنقسم، وإنما الذي ينقسم طريقة التعبير عن التفسير، وهي لا تقف عند هذه الأربعة، بل يمكن الزيادة عليها بإطلاقات ذكرها المعاصرون في غير هذا المجال؛ كالتفسير الأدبي، والتفسير الاجتماعي، والتفسير التربوي وغيرها.
وإذا كنت معي في أن التفسير: بيان معاني القرآن الكريم، فما معنى الإضافة إلى هذه الأنواع الأربعة وغيرها إذًا؟!
حَلِّلْ هذه الإضافة (التفسير الموضوعي) بناءً على ما ذكرت لك من معنى التفسير.
كأن المعنى سيكون: بيان معاني القرآن الموضوعي؟! (أي: التفسير الذي يؤخذ من قبل الموضوع القرآني.
ويأتي السؤال: هل في عرض (الموضوع القرآني) بيان معان تفسيرية جديدة؟
أو إن فيه بيانًا خارجًا عن حَدِّ التفسير كالفوائد والاستنباطات؟.
وكذا الحال في التفسير الإجمالي، هل سيأتي من يسلك هذا الأسلوب بجديد من جهة المعاني، أو إن الجديد بأسلوب التعبير عن التفسير، من حيث سهولة عبارته وسلاستها من عدم ذلك.
إن الصحيح في تسمية هذه المصطلحات أن تسمى باسم (أساليب كتابة التفسير)، وليس بإضافتها للتفسير كما هو قائم الآن؛ لأن (مفهوم التفسير) قد أُدرِك معناه، ومن ثمَّ فإن الخلوص إلى مسمى يناسب أسلوب الكتابة الجديدة التي ذكرها المعاصرون هو المطلوب.
¥