ولا يُظنُّ أن الاختلاف لفظي، وأنه لا مشاحة في الاصطلاح، لا يظن ذلك؛ لأنه يُفهم من مصطلح (التفسير الموضوعي) أن من يسلكه، فإنه قد أتى بجديد من المعاني، وهو ليس كذلك، فليس هناك معنى كان خافيًا، فأُدرك بالتفسير الموضوعي، وذلك واضح من اعتماد من اعتمد هذا النوع على تفاسير العلماء السابقين، وصدوره عنها، مما يدل على أنه لا يأتي بجديد في تفسير المعاني، وإنما جديده في الفوائد والاستنباطات والاستنتاجات وجمع الآيات المتناظرات للموضوعات المختلفات.
وكذا الحال في (التفسير الإجمالي)، فإنه من حيث إيجاد جديد من المعاني لا يلزم استخدام (التفسير الإجمالي)، وإنما الحال في استخدام العبارات واختيارها.
وأما (التفسير المقارن) فإنه ينتج عن سلوكه اختيار تفسير من التفاسير المختلفة، فهو في الحقيقة (طريقة اختيار تفسير)، ولا يصلح أن تسمى طريقة اختيار التفسير تفسيرًا، فالطريقة للوصول إلى المعنى الراجح هي المقارنة (الموازنة) بين الأقوال المختلفة في التفسير بناءً على القواعد العلمية، وكما تلاحظ لا يكون ذلك إلا في حال اختلاف المفسرين.
وأما (التفسير التحليلي) فيدخله كثير من المعلومات التي هي خارجة عن حدِّ التفسير كما لا يخفى على الناظر في كتب التفسير.
والمقصود أن الوصول إلى معاني الآيات لا يلزم باستخدام نوع من هذه الأنواع دون نوع، بل الحال أن إدراك التفسير له طريقه المعروف، وسواء أكتبت بأسلوب التحليل أم الإجمال أم الموضوع أم المقارن، فالحال واحدة.
وبما أنني قد أشرت إلى إضافات أخرى فأرى أن من تمام الموضوع التنبيه عليها، فأقول:
لقد ظهرت إضافة التفسير إلى غير هذه الأربعة، منها: التفسير الأدبي، والتفسير الاجتماعي، والتفسير البياني ... الخ.
وهذه الإضافات كسابقاتها الأربعة، ليس فيها جديد من جهة التفسير الذي هو بيان المعنى، وقد تأملتها ووجدتها لا تخرج عن الآتي:
الأول: أن يكون الأمر متعلقًا بأسلوب الكتابة الذي اعتمده المؤلف؛ كالتفسير الأدبي، إنما هو بالنظر إلى الأسلوب الكتابي الذي انتهجه المؤلف، مع ملاحظة قلة الكتب التي يمكن أن تُدرج في هذا الأسلوب الكتابي.
ومما يُمثَّل به للتفسير الأدبي كتاب (في ظلال القرآن) للأستاذ سيد قطب.
والجديد في هذا الكتاب من جهتين:
الجهة الأولى: الأسلوب الكتابي الذي انتهجه المؤلف وكتابه، إذ كتبه بلغة أدبية راقية.
الجهة الثانية: اتجاهه نحو تطبيق الآيات على واقع الحياة التي عاشها سيد، وتصوراته للطريقة المثلى للعيش مع القرآن الكريم، وكيفية إنشاء المجتمع المسلم من خلال القرآن ... الخ من الأفكار التي طرحها سيد، وهي تأتي بعد فهم المعنى وبيانه الذي هو التفسير.
الثاني: أن يكون الأمر متعلقًا بالاتجاه العلمي أو الفكري أو العقدي أو المذهبي أو ما سوى ذلك من الاتجاهات التي تؤثر على معلومات المفسر خلال كتابته للتفسير، كالاتجاه الاجتماعي في (تفسير المنار)، فهو قصد أن يقدم دراسات اجتماعية من خلال تفسيره للقرآن، لذا نقد سلوكيات المجتمع الإسلامي، واجتهد في بيان الأسلوب الأمثل في الرقي بالأمة الإسلامية، وكل هذا إنما يأتي بعد التفسير، وليس فيه إضافة على معاني القرآن، وإنما فيه إضافات استنباطية وربط الواقع الاجتماعي (السلبي أو الإيجابي) بالآيات.
فإن قلت: أليس يُطلق مثل هذه المصطلحات؛ كالتفسير النبوي، والتفسير اللغوي، فهل شانها كشأن الأوليات؟
والجواب: لا.
والسبب أن الإضافة إلى ما يكون من باب البيان تخصيص لجزء من المعنى العام (التفسير) بالمصدر الذي يكون فيه بيان (كالتفسير النبوي)، أي: التفسير الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن لو قلت: التفسير الأدبي، فإن الأدب ليس مصدرًا يتبين به كلام الله كما هو الحال في التفسير النبوي أو التفسير اللغوي اللذين يكون بهما بيان لكلام الله، ومعنى هذا أن إضافة لفظة (التفسير) إلى مصدر من مصادره ليست كإضافته إلى طريقة التأليف أو طريقة الكتابة، فتلك لا يصلح فيها مثل هذه الإضافة.
وقس على ذلك غيرها مما يضاف إليه التفسير من المصطلحات.
وخلاصة القول: إن التفسير علم قائم بذاته، وله معالمه المحدودة، وله تعريفه الواضح، وليس كل ما كُتب تحت اسم التفسير يكون من التفسير، ولا كل ما أضيف إلى التفسير يكون منه، ولا كل ما في كتب التفسير يكون منه أيضًا.
وإذا كان ذلك صحيحًا، فإن على من يقسم التفسير إلى هذه الاعتبارات أن يحرر مراده بالتفسير، ثم يثبت صلة هذه المضافات إليه به.
وفي نظري أن استخدام مصطلح الأسلوب، والاتجاه وأمثالها يرفع المشكل، ويكون الأمر منضبطًا بإذن الله.
فإذا كان النظر إلى الأسلوب الكتابي قيل: الأسلوب الأدبي مثلاً.
وإذا كان النظر إلى المعلومات التي حشدها المفسر في كتابه، وأضافها على التفسير، قيل: الاتجاه النحوي مثلاً، الاتجاه الفقهي، الاتجاه الاجتماعي ... الخ.
وخلاصة القول: إننا في التخصص العلمي بحاجة إلى تحرير المصطلحات، وأن لا تضيق صدورنا بالنقد والتحليل والتقويم، وأن يكون القصد الوصول إلى الحق، ولا مانع من الاختلاف مع حسن الأدب، فالاختلاف لا يفسد للود قضية، وما ذكرته هاهنا هو خلاصة ما أراه في هذه المصطلحات، فإن كان من حقي أن أقول ما أراه صوابًا، فإني أعرف أنه ليس من قدرتي ـ فضلا عن أن يكون من حقي ـ أن أقنعك بما أقول، والله الموفق.
¥