أما الأشاعرة فقد وافقوا أهل السنة في بعض الصفات وخالفوهم في الأخرى، كما وافقوا المعتزلة في بعض الصفات وخالفوهم فيما تبقى.
والصفات التي أثبتوها سبعة وهي: الحياة، العلم، الإرادة، القدرة، السمع، البصر والكلام. إلا أنهم في صفة ا لكلام قالوا هو كلام نفسي قديم، وأهل السنة قالوا: كلام بحروف وصوت، كلام قديم وآحاد الحوادث، فهو سبحانه لا يزال يتكلم.
وهذه الصفات ثابتة عندهم بالعقل والنقل لذلك أثبتوها، وأما غيرها من الصفات فهي ثابتة عندهم بالنقل فقط، لذلك عمدوا إلى تأويلها.
لن أعرض لكل الصفات لأنها كثيرة ومتكررة في القرآن الكريم، وموقف ابن عطية منها لا يخالف الأشاعرة في أغلبها إن لم أقل كلها، لذلك سأعرض من النماذج من الآيات التي أثبتها الأشاعرة ثم نماذج من التي أولوها.
صفة الاستواء:
يقول في قوله تعالى: "ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم" () "ثم" هنا هي لترتيب الأخبار، لا لترتيب الأمر في نفسه، و"استوى" قال قوم معناه: علا دون تكييف ولا تحديد، هذا الاختيار الطبري، والتقدير: علا أمره وقدرته وسلطانه، وقال ابن كيسان معناه قصد إلى السماء، قال الفقيه أبو محمد: أي بخلقه واختراعه، وقيل معناه كما صنعه فيها، كما تقول: استوى الأمر، وهذا قلق، وحكى الطبري عن قوم: أن المعنى: أقبل، وضعفه، وحكى عن قوم: أن المستوي هو الدخان، وهذا أيضا يأباه رصف الكلام، وقيل المعنى استلوى، كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
وهذا إنما يجيء في قوله تعالى"على العرش استوى" والقاعدة في هذه الآية ونحوها منع النقلة وحلول الحوادث، ويبقى استواء القدرة والسلطان" ().
ابن عطية هنا يؤول الإستواء باستواء القدرة والسلطان، وأهلا الحديث يأخذون الآية على ظاهرها من غير تأويل. أما الأشاعرة والمعتزلة فيؤولونها.
صفة الكلام:
قال في قوله تعالى: «وكلم الله موسى تكليما» () إخبار بخاصة موسى، وأن الله تعالى شرفه بكلامه ثم أكد تعالى الفعل بالمصدر، وذلك منبئ في الأغلب عن تحقيق الفعل، ووقوعه وإنما خارج عن وجوه المجاز والاستعارة (…) وكلام الله للنبي موسى عليه السلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات، والذي عليه الراسخون في العلم: أن الكلام هو المعنى القائم في النفس، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكا من جهة السمع يتحصل به الكلام، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجدات، معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا
كالكلام، وما روى عن كعب الأحبار وعن محمد بن كعب القرضي ونحوهما: من أن الذي سمع موسى كان أشد ما يسمع من الصواعق، وقي رواية أخرى كالرعد الساكن، فذلك كله غير مرضي عند الأصوليين، وقرأ جمهور الأمة، "وكلم الله موسى" بالرفع في اسم الله، وقرأ يحيى بن وثاب إبراهيم النخفي وكلم الله بالنصب على أن موسى هو المكلم" ()
ابن عطية يذهب مذهب الأشاعرة و الماتريدية الذين قالوا: إن الله بتكلم كلاما نفسيا قديما. أما المعتزلة فيجعلون كلام الله مخلوقا منفصلا فيقولون موسى سمع كلام الشجرة.
وأهل الحديث يقولون:" إنه سبحانه وتعالى يتكلم بكلام يسمع بحرف وصوت، وكلام الله كذلك صفة له تعالى قديمة النوع حادثة الأحاد. فهو سبحانه بتكلم
كيف شاء، متى شاء وليس كلامه صفة نفسية، بل هو بتكلم بصوت بسمعه القريب والبعيد يوم القيامة وصوته ينفذ في ملائكته في السماء وصوته سمعه موسى عليه السلام ()
صفة الإتيان والمجيء:
يقول في قوله تعالى "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك" () قال الطبري: لموقف الحساب يوم القيامة، وأسند ذلك إلى قيادة وجماعة من المؤولين. وحكى الزجاج أن المراد بقوله:"أو يأتي ربك" أي العذاب الذي يسلطه الله في الدنيا على من يشاء من عبادة كالصيحات والرجفات والخسف ونحوه.
¥