"وقوله "إلا وجهه" قالت فرقة هي عبارة عن الذات، المعنى: هالك إلا هو قال الطبري وجماعة منهم أبو المعالي رحمه وقال الزجاج إلا إياه، وقال سفيان الثوري: المراد إلا ذا وجهه أي ما عمل لذاته ومن طاعته وتوجه به نحوه، ومن هذا قول الشاعر: رب العباد إليه الوجه والعمل ومنه قول القائل: أردت بفعلي وجه الله تعالى ومنه قوله عز وجل: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" ()
ابن عطية يؤول صفة الوجه ولا يثبتها، أهل الحديث يثبتونها، أما المعتزلة فيؤولونها بأن وجهه هو هو.
موقف ابن عطية من رؤية الله تعالى:
بقول في قوله تعالى «وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة» () "إلى ربها ناظرة" حمل هذه الآية أهل السنة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله تعالى، وهي رؤية دون محاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم، موجود لا يشبه الموجودات، كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء، فإن ليس كمثله شيء لا إله إلا هو، وروى هبارة ابن الصامت أن النبي e قال "حدثتكم عن الدجال أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتو". وقال e " إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته". وقال الحسن: تنظرون إلى الله بال إحاطة وأما المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالى، فذهبوا في هذه الآية إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة أو ثوابه أو ملكه فقدروا مضافا محذوفا، وهذا وجه
سائغ في العربية كما تقول، فلان ناظر إليك في كذا، والرؤية إنما تثبت بأدلة قاطعة غير هذه الآية فإنه تبتت حسن تأويل أهل السنة في هذه الآية وقوي، ودهت تعض المعتزلة في هذه الآية إلى أن قوله "إلى" ليست بحرف جر، وإنما هي إلى واحد الالاء فكأنه قال نعمة ربها منتظرة، أو ناظرة، من النظر بالعين، ويقال نظرتك" ()
هو هنا يثبت رؤية الله تعالى يوم القيامة، بلا كيفية ولا تعيين، ويأخذ بالآية على ظاهرة من غير تأويل.
ويقول في قوله تعالى: "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" ()
"قالت فرقة هي الجمهور: الحسنى الجنة والزيادة: النظر إلى الله عز وجل، وروي في نحو هذا الحديث عن النبي e، رواه صهيب، وروى هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمان بن أبي ليلة، وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة. وقالت، حسبما ورد نص الحديث وتفسير قوله تعالى " والله يضاعف لمن يشاء" وهذا قول بعضده النظر، ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول" ()
وهنا أيضا يثبت رؤية الله عز وجل كما هو مذهب أهل الحديث اللذين يقولون، إن رؤية الله جائزة شرعا وعقلا بلا كيفية ولا تعيين. أما المعتزلة فيقولون: إن رؤية الله تعالى مستحيلة لأن هذا يؤدي عندهم إلى التجسيم.
أما الأشعرية والماتريدية فإنهما يثبتان الرؤية لكنهم يقولون نظر لا إلى جهة، ويختلفون عن أهل السنة والجماعة الذين يجعلون الرؤية بالعينين إلى جهة العلو حيث الله جل وعلا، أملا أولئك فيجعلونها رؤية بقوة يحدثها الله تعالى في الأجسام يوم القيامة لا إلى جهة [شرع لمعة الاعتقاد لأن الشيخ بتصرف]
موقف ابن عطية من وجوب الأصلح على الله تعالى:
يقول في قوله تعالى: "نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل" () و"قوله "بالحق" يحتمل معنيين، أحدهما:
أن يكون المعنى ضمن الحقائق من خبره وأمره ونهيه، ومواعظه، فالباء على حدها في قولك: جاءني كتاب بخبر كذا وكذا أي ذلك الخبر مفتض فيه، والثاني: أن يكون المعنى: إنه نزل الكتاب باستحقاق أن ينزل، لما فيه من المصلحة الشاملة وليس ذلك على أنه واجب على الله أن يفعله، بل له الحق أن يفعله، فالباء-في هذا المعنى- على حدها في قوله تعالى- حكاية عن عيسى عليه السلام: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" () () ابن عطية هنا لا يقول بوجوب الأصلح على الله تعالى، بل يقول بأن لله الحق في أن يفعل ما يشاء، ويعلل أفعال الله بالحكمة فهو يقول "لما فيه من المصلحة الشاملة".
¥