تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول في قوله تعالى: "الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" ().

"وقوله تعالى: "بما كنتم تعملون" أي بما كان في أعمالكم من تكسب، وهذا على التجوز علق دخولهم الجنة بأعمالهم من حيث جعل الأعمال أمارة لإدخال العبد الجنة، ويعترض من هذا المعنى قول النبي e " لا يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمته،" وهذه الآية ترد بالتأويل إلى معنى الحديث، ومن الرحمة والتغمد أن يوفق الله العبد إلى أعمال برة، ومقصد الحديث، نفي وجوب ذلك على الله تعالى بالعقل كما ذهب إليه فريق من المعتزلة" ().

هنا يرد على المعتزلة التي تقول بوجوب الوفاء بالوعد على الله تعالى، ويقرر أن الله يفعل ما يشاء، بل الله يدخل المؤمنين الجنة تفضلا منه ورحمة.

يقول في قوله تعالى «وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفارا أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما» ().

"فالعقيدة عندي في هذه الآيات: أن من تاب من قريب فله حكم التائب، فيغلب عليه أنه ينعم و لا يعذب، هذا مذهب أبي المعالي وغيره، وقال غيرهم: بل هو مغفور له قطعا لإخبار الله تعالى بذلك، وأبو المعالي يجعل تلك الأخبار ظواهر مشروطة بالمشيئة، أو من لم يتب حتى حضره الموت فليس في حكم التائبين، فإن كان كافرا فهو مخلد، وإن كان مؤمنا فهو عاص في المشيئة، لكن يغلب الخوف عليه، ويقوى الظن في تعذيبه ويقطع من جهة السمع أن هذه الصنيفة من يغفر الله له تفضلا ولا يعذبه" ().

هو هنا لا يقول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار، بل يقول هو في المشيئة، لكن يغلب على الظن تعذيبه.

ويقول في قوله تعالى: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما» ().

"هذه الآية هي الحاكمة ببيان ما تعارض من آيات الوعد، وتلخيص الكلام فيها أن يقال: الناس أربعة أصناف:

*كافر مات على كفره، فهذا مخلد في النار بإجماع

*ومؤمن محسن لم يذنب قط، ومات على ذلك، فهذا في الجنة محتوم عليه، حسب الخبر من الله تعالى بإجماع.

*وتائب مات على توبته، عند أهل السنة وجمهور فقهاء الأمة، لاحق بالمؤمن المحسن إلا أن قانون المتكلمين أنه في المشيئة.

*ومذنب مات قبل توبته فهذا هو موضع الخلاف:

فقالت المرجئة: هو في الجنة بإيمانه، ولا تضره سيأته، وبنوا هذه القالة على أن جعلوا آيات الوعيد كلها مخصصة في الكفار، وآيات الوعد عامة في المؤمنين تقيهم وعاصيهم.

وقالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولابد.

وقالت الخوارج: إذا كان صاحب كبيرة أو صغيرة فهو في النار (…) جعلوا آيات الوعد كلها مخصصة في المؤمن المحسن الذي لم يعصي قط، والمؤمن التائب، وجعلوا آيات الوعيد عامة في العصاة… وقال أهل السنة والحق: آيات الوعد ظاهرة العموم، وآيات الوعيد ظاهرة العموم ولا يصح نفوذ كلها لوجهة بسبب تعارضها (…) فلا بد أن نقول: إن آيات الوعد لفظ العموم والمراد به الخصوص في المؤمن المحسن، وفي التائب، وفيمن سبق في علمه تعالى العفو عنه دون تعذيب من العصاة، وإن آيات الوعيد لفظها العموم، والمراد بها الخصوص في الكفرة، وفيمن سبق في علمه تعالى أن يعذبه من العصاة، وتحكم بقولنا هذه الآية –النص في موضع النزاع، وهي قوله عز وجل: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" فإنها جلت الشك وردت على الطائفتين" ().

ابن عطية هنا يفصل القول ويستخدم القواعد الأصولية ليخلص إلى أنه لا يجب على الله شيء، وإنما يفعل ما يشاء، يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، إلا الشرك كما في الآية، وأن مرتكب الكبيرة هو في مشيئة الله، وبه يقرر مذهب أهل السنة.

موقف ابن عطية من الشفاعة:

يقول في قوله تعالى «واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون» ()

"وسبب هذه الآية أن بني إسرائيل قالوا: نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا أباؤنا، فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا يقبل فيه الشفاعات ولا تجزي نفس عن نفس، وهذا إنما هو في الكافرين للإجماع، وتواتر الأحاديث بالشفاعة في المؤمنين" ().

هنا يعرض لسبب النزول ثم يقرر أن الشفاعة للمؤمنين أخذا بالأحاديث.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير