(نكتة غريبة:
قال ابو شامة في (الروضتين): وقد تكلم شيخنا ابو الحسن علي بن محمد السخاوي في تفسيره الاول فقال: وقع في تفسير ابي الحكم الاندلسي - يعني ابن برجان - في اول سورة الروم اخبار عن فتح بيت المقدس، وأنه ينزع من ايدي النصارى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
قال السخاوي: ولم أره اخذ ذلك من علم الحروف، وانما اخذه فيما زعم من قوله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي اَدْنَى الْاَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ. . .} [الروم: 1 - 4] فبنى الامر على التاريخ كما يفعل المنجمون، فذكر انهم يَغلبون في سنة كذا وكذا، ويُغلبون في سنة كذا وكذا، على ما تقتضيه دوائر التقدير.
ثم قال: وهذه نجابة وافقت اصابة، ان صح، قال ذلك قبل وقوعه، وكان في كتابه قبل حدوثه.
قال: وليس هذا من قبيل علم الحروف، ولا من باب الكرامات والمكاشفات، ولا ينال في حساب.
قال: وقد ذكر في تفسير سورة القدر انه لو علم الوقت الذي نزل فيه القران لعلم الوقت الذي يرفع فيه.
قلت: ابن برجان ذكر هذا في تفسيره في حدود سنة ثنتين وعشرين وخمسمائة)
فتأمل كيف بتر النص ليوافق ما أراد وهذا الموضع يكفي في عدم الوثوق، ويكفي في معرفة قلة الخبرة في الكتابة، كما يكفي في إسقاط تكلف الردود العلمية ..
ولمزيد من البيان:
فإن العلماء رحمهم الله كما في هذا النص ينتقدون هذا المسلك ولا يقرونه، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الذهبي في ترجمة علي بن أحمد بن الحسين أبو الحسن الحراني الأندلسي قال: (صنف تفسيراً وملأه بحقائقه ونتائج فكره وكان الرجل فلسفي التصوف، وزعم أنه يستخرج من علم الحروف وقت خروج الدجال ووقت طلوع الشمس من مغربها. وهذه علوم وتحديدات ما عَلِمَتْها رسلُ الله، بل كلٌّ منهم حتى نوح عليه الصلاة والسلام يتخوّف من الدجال وينذر أمته الدّجال ... وهؤلاء الجهلة إخوته يدعون معرفة متى يخرج نسأل الله السلامة).
انظر: [ميزان الاعتدال: 5/ 140، ولسان الميزان لابن حجر: 4/ 204، وطبقات المفسرين للسيوطي: 76].
سابعاً:
قوله: (جاء في تفسير البيضاوي بفاتحة سورة البقرة أنه عليه الصلاة والسلام لما أتاه اليهود تلا عليهم قوله تعالى (الم {1}) ... 1 البقرةفحسبوها فقالوا كيف ندخل في دين مدته إحدى وسبعون سنه فتبسم رسول الله ولم ينكرعليهم فقالوا فهل غيرها فقال (المص) (الر) (المر) فقالوا خلطت علينا فلا ندري بأيها نأخذ يقول البيضاوي معقبا على ذلك فأن تلاوته إياها بهذا الترتيب عليهم وتقريرهم على استنباطهم يعتبر أن رسول الله قد أقر اليهود في استنباطهم) ..
فهذا النص كسابقه من حيث عدم الدقة في النقل ومن حيث إن في أصله ما يرد على ما أراده صاحب المقال وفقه الله لهداه وأصل النص كما يلي وهو في بيان الأقوال في الأحرف المقطعة والبيضاوي رحمه الله يسرد الأقوال ثم يعقب عليها:
(أو إلى مدد أقوام وآجال بحساب الجمل كما قال أبو العالية متمسكا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام لما أتاه اليهود تلا عليهم ألم البقرة فحسبوه وقالوا كيف ندخل في دين مدته إحدى وسبعون سنة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا فهل غيره فقال المص والر والمر فقالوا خلطت علينا فلا ندري بأيها نأخذ فإن تلاوته إياها بهذا الترتيب عليهم وتقريرهم على استنباطهم دليل على ذلك وهذه الدلالة وإن لم تكن عربية لكنها لاشتهارها فيما بين الناس حتى العرب تلحقها بالمعربات كالمشكاة والسجيل والقسطاس) ..
وبعد سرده لهذا القول بحجته قال:
(والحديث لا دليل فيه لجواز أنه عليه الصلاة والسلام تبسم تعجبا من جهلهم وجعلها مقسما بها وإن كان غير ممتنع لكنه يحوج إلى إضمار أشياء لا دليل عليها).
وبهذا يتضح أن الكلام الأول ليس للبيضاوي وإنما هو نقل لحجة صاحب القول ..
ثامناً:
قوله: (جاء في كتاب (إسلامنا) للدكتور مصطفى الرفاعي ما ذكره صاحب كتاب مشارق أنوار اليقين الحافظ رجب البرسي انه روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى (وكل شيء فصلناه تفصيلا) اي شرحناه شرحا بينا بحساب الجمل (ألف) أي بحساب الاحرف الابجدية)
فمن المعلوم أن النقول إنما تؤخذ من الكتب الأصلية، ومع ذلك فإن هذه الآيات وأمثالها الدالة على تفصيل كل شيء في القرآن الكريم المقصود منها هو: تفصيل كل ما بالناس إليه حاجة. وبهذا القول قال أكثر المفسرين ومنهم محمد بن علي القصاب وابن عطية وابن الجوزي وابن جزي الكلبي وأبو حيان وابن القيم والآلوسي وابن عاشور وغيرهم.
قال ابن عطية: " على القول بأنه قرآن: خاصٌّ في الأشياء التي فيها منافع للمخاطبين وطرائق هدايتهم " [المحرر الوجيز: 620].
تاسعاً:
ما الدليل على أن علم الحساب أحسن التفاسير ..
وبعد فلا شك أن الوقوف مع أمثال هذه المقالات أمر مهم .. كما أن التطويل لا حاجة له بعد اتضاح المقصود ..
اسأل الله تعالى أن يوفق الكاتب لهداه وأن يلهمه العلم النافع والعمل الصالح .. والله أعلم ..
¥