ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[02 Jul 2006, 06:11 م]ـ
ذكر ابن القيم رحمه الله أن قول الله تعالى: ? لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ? على عمومه في حق كل كافر على الصحيح.
قال: (فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم استجاب له ولخلفائه بعده أكثر أهل الأديان طوعاً واختياراً، ولم يكره احداً قط على الدين، وإنما كان يقاتل من يحاربه ويقاتله، وأما من سالمه وهادنه فلم يقاتله، ولم يكرهه على الدخول في دينه امتثالاً لأمر ربه سبحانه حيث يقول: ? لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ? (البقرة: من الآية256) وهذا نفي في معنى النهي، أي: لا تكرهوا أحداً على الدين، نزلت هذه الآية في رجال من الصحابة كان لهم أولاد قد تهودوا وتنصروا قبل الاسلام، فلما جاء الإسلام أسلم الآباء، وأرادوا إكراه الأولاد على الدين، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك حتى يكونوا هم الذين يختارون الدخول في الإسلام.
والصحيح أن الآية على عمومها في حق كل كافر، وهذا ظاهر على قول من يجوز أخذ الجزية من جميع الكفار، فلا يكرهون على الدخول في الدين، بل إما أن يدخلوا في الدين وإما أن يعطوا الجزية كما يقوله أهل العراق وأهل المدينة، وإن استثنى هؤلاء بعض عبدة الأوثان.
ومن تأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تبين له انه لم يكره أحداً على دينه قط، وأنه إنما قاتل من قاتله، وأما من هادنه فلم يقاتله مادام مقيما على هدنته لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يفي لهم بعهدهم ما استقاموا له كما قال تعالى: ? فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ? (التوبة: من الآية7).
ولما قدم المدينة صالح اليهود وأقرهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم، فمنّ على بعضهم، وأجلى بعضهم، وقتل بعضهم.
وكذلك لما هادن قريشاً عشر سنين لم يبدأهم بقتال حتى بدأوا هم بقتاله، ونقضوا عهده فعند ذلك غزاهم في ديارهم، وكانوا هم يغزونه قبل ذلك كما قصدوه يوم أحد ويوم الخندق، ويوم بدر ايضاً هم جاءوا لقتاله ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم.
والمقصود: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكره أحداً على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناس في دينه اختياراً وطوعاً، فأكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبين لهم الهدى وأنه رسول الله حقاً.) ([1])
الدراسة:
رجح ابن القيم أن هذه الآية على عمومها في حق كل كافر، وذكر أنّ هذا القول هو الصحيح.
وفي معنى الآية أقوال أخرى، ستتضح من خلال عرض ما ذكره أئمة التفسير في تفسيرهم لهذه الآية – إن شاء الله -.
ذكر ابن جرير الخلاف في سبب نزول هذه الآية، وجعل اختلاف معنى الآية مبنياً على اختلاف الروايات في ذلك، وحاصل ما ذكر من الأقوال ثلاثة:
القول الأول: نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار، أو في رجل منهم كان لهم أولاد قد هوّدوهم أو نصروهم؛ فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم الله عن ذلك، حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام. وذكر في ذلك عدة روايات.
القول الثاني: معنى ذلك: لا يُكره أهلُ الكتاب على الدين إذا بذلوا الجزية، ولكنهم يُقرّون على دينهم. وعلى هذا تكون الآية في خاصّ من الكفار، ولم ينسخ منها شيء. وذكر عدة روايات تدل على هذا القول.
القول الثالث: هذه الآية منسوخة، وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال.
ثم قال مرجحاً: (وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس، وقال: عنى بقوله تعالى ذكره: ? لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ ? أهل الكتابين والمجوس، وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق، وأخذ الجزية منه. وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخاً.)
وعلَّلَ ترجيحه لهذا القول بأن الناسخ لا يكون ناسخاً إلا إذا نفى حكم المنسوخ، فلم يجز اجتماعهما. فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وباطنه الخصوص، فليس من الناسخ والمنسوخ.
¥