تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له مبينا أن ذلك القذر هو علة المنع بقوله قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة لأن دم الإستحاضة ليس في الاستقذار كدم الحيض ولا كنجاسة الدبر لأنه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح ومما يؤيد منع الوطء في الدبر إطباق العلماء على أن الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها معيبة ترد بذلك العيب، قال ابن عبد البر لم يختلف العلماء في ذلك إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أن الرتقاء لا ترد بالرتق والفقهاء كلهم على خلاف ذلك، قال القرطبي وفي إجماعهم هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج فإن قيل قد يكون رد الرتقاء لعلة عدم النسل فلا ينافي أنها توطأ في الدبر فالجواب أن العقم لا يرد به ولو كانت علة رد الرتقاء عدم النسل لكان العقم موجبا للرد، وقد حكى القرطبي الإجماع على أن العقم لا يرد به في تفسير قوله تعالى فأتوا حرثكم فإذا تحققت من هذه الأدلة أن وطء المرأة في دبرها حرام فاعلم أن من روى عنه جواز ذلك كابن عمر وأبي سعيد وجماعات من المتقدمين والمتأخرين يجب حمله على أن مرادهم بالإتيان في الدبر إتيانها في الفرج من جهة الدبر كما يبينه حديث جابر والجمع واجب إذا أمكن قال ابن كثير في تفسير قوله فأتوا حرثكم أنى شئتم ما نصه قال أبو محمد عبد الرحمان بن عبد الله الدارمي في مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن قال وما التحميض فذكر الدبر فقال وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث، وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم منه بلفظه وقد علمت أن قوله أنى شئتم لا دليل فيه للوطء في الدبر لأنه مرتب بالفاء التعقيبية على قوله: نسائكم حرث لكم ومعلوم أن الدبر ليس محل حرث ولا ينتقض هذا بجواز الجماع في عكن البطن وفي الفخذين والساقين ونحو ذلك مع أن الكل ليس محل حرث لأن ذلك يسمى استمناء لا جماعا والكلام في الجماع لأن المراد بالإتيان في قوله: فأتوا حرثكم الجماع والفارق موجود لأن عكن البطن ونحوها لا قذر فيها والدبر فيه القذر الدائم والنجس الملازم، وقد عرفنا من قوله قل هو أذى فاعتزلوا النساء أن الوطء في محل الأذى لا يجوز، وقال بعض العلماء معنى قوله من حيث أمركم الله أي من المكان الذي أمركم الله تعالى بتجنبه لعارض الأذى وهو الفرج ولا تعدوه إلى غيره ويروى هذا القول عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع وغيرهم وعليه فقوله من حيث أمركم الله يبينه قل هو أذى فاعتزلوا النساء الآية لأن من المعلوم أن محل الأذى الذي هو الحيض إنما هو القبل وهذا القول راجع في المعنى إلى ما ذكرنا وهذا القول مبني على أن النهي عن الشىء أمر بضده لأن ما نهى الله عنه فقد أمر بضده ولذا تصح الإحالة في قوله أمركم الله على النهي في قوله ولا تقربوهن حتى يطهرن والخلاف في النهي عن الشيء هو أمر بضده معروف في الأصول وقد أشار له في مراقي السعود بقوله:

الرجز والنهي فيه غابر الخلاف ** أو أنه أمر بالائتلاف

وقيل لا قطعا كما في المختصر ** وهو لدى السبكي رأي ما انتصر

ومراده بغابر الخلاف هو ما ذكر قبل هذا من الخلاف في الأمر بالشيء هل هو عين النهي عن ضده أو مستلزم له أو ليس عينه ولا مستلزما له يعني أن ذلك الخلاف أيضا في النهي عن الشيء هل هو عين الأمر بضده أو ضد من أضداده إن تعددت أو مستلزم لذلك أو ليس عينه ولا مستلزما له وزاد في النهي قولين: أحدهما أنه أمر بالضد اتفاقا، والثاني أنه ليس أمراً به قطعاً وعزا الأخير لابن الحاجب في مختصره وأشار إلى أن السبكي في جمع الجوامع ذكر أنه لم ير ذلك القول لغير ابن الحاجب وقال الزجاج معنى من حيث أمركم الله أي من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة ولا تقربوهن من حيث لا يحل كما إذا كن صائمات أو محرمات أو معتكفات، وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد من حيث أمركم الله يعني طاهرات غير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير