.. قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [124] قال مجاهد: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} حتى ينقطع الدم {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} اغتسلن بالماء [125].
قال أهل التفسير في قوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [126] أي مطيعين. قاله الشعبي وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاوس [127].ويشهد لذلك قوله تعالى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [128] وقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} [129] وقوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ} [130] وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [131] وقوله تعالى {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [132].
وقال أيضاً القيام المذكور في الآية ليس المراد به انتصاب القامة، بل المراد به فعل المأمور به، وأن يكون على وجه الطاعة لله، والامتثال لأمره، فإن الرجل يقوم بأشياء ويكون هو قائم بأمر على وجه الطاعة تارة، وعلى وجه المعصية أخرى فأمروا أن يقوموا لله بما أمرهم به حال كونهم طائعين ... ويحتمل أن يكون المراد بالقيام لله في الآية الصلاة بخصوصها [133]، ويكون المعنى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} بالصلاة قانتين فيها {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} فإن قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قد ذكرت الصلاة قبله وبعده، فكان الظاهر إرادة الصلاة هنا بخصوصها، وأما إرادة القيام في الصلاة بمجرده من هذه الآية فغير ظاهر [134].
[قوله تعالى]: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [135] {لا يَؤُودُهُ} أي: لا يكرثه [136] ولا يثقله ولا يعجزه [137].
فهذا النفي لثبوت كمال ضده، وكذلك كل نفي يأتي في صفات الله تعالى في الكتاب والسنة إنما هو لثبوت كمال ضده [138]، كقوله تعالى: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [139] لكمال عدله، {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [140] لكمال علمه، وقوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [141] لكمال قدرته. {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} لكمال حياته وقيُّوميته. {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [142] لكمال جلاله وعظمته وكبريائه، وإلاَّ فالنفي الصِّرف لا مدح فيه، ألا يُرى أن قول الشاعر [143]:
قُبَيِّلةٌ لا يَغْدِرُونَ بذمةٍ
ولا يَظْلِمُونَ النَّاس حَبَّةّ خَرْدَلِ
لمَّا اقترن بنفي الغدر والظلم عنهم ما ذكره قبل هذا البيت وبعده، وتصغيرهم بقوله (قُبيِّلة) عُلم أن المراد عجزهم وضعفهم، لا كمال قدرتهم. وقول الآخر [144]:
لَكِنَّ قّوْمِي وإنْ كَانُوا ذَوِي عَدَدٍ
لَيْسُوا مِنَ الشَّرِّ في شَيءٍ وإنْ هَانَا
لما اقترن بنفي الشر عنهم ما يدل على ذمهم، عُلم أن المرادعجزهم وضعفهم أيضاً [145].
واعلم أن هذين الاسمين أعني: الحي القيوم مذكوران في القرآن معاً في ثلاث سور [146] كما تقدم، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: إنهما الاسم الأعظم [147]، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه، ويدل القيوم على معنى الأزلية، والأبدية [148] ما لا يدل عليه لفظ القديم، ويدل أيضاً على كونه موجوداً بنفسه، وهو معنى كونه واجب الوجود.
و (القيوم) أبلغ من (القيام)؛ لأن الواو أقوى من الألف، ويفيد قيامه بنفسه، باتفاق المفسرين وأهل اللغة [149]، وهو معلوم بالضرورة.
¥