تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهل تفيد إقامته لغيره وقيامه عليه؟ فيه قولان. أصحهما: أنه يفيد ذلك [150]، وهو يُفيد دوام قيامه وكمال قيامه؛ لما فيه من المبالغة، فهو سبحانه لا يزول، ولا يأفل [151]؛ فإن الآفل قد زال قطعاً، أي: لا يغيب، ولا ينقص، ولا يفنى، ولا يَعْدَمُ، بل هو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال.

واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال، ويدل على بقائها ودوامها، وانتفاء النقص والعدم عنها أزلاً وأبداً؛ ولهذا كان قوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم [152]. فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما يرجع معانيها، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة. وأما القيوم، فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه، فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، المقيم لغيره، فلا قيام لغيره إلا بإقامته، فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال أتم انتظام [153].

وأما (الكرسي)[ف] [154] قد قيل: هو العرش [155]، والصحيح أنه غيره، نُقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. روى ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش، والحاكم في مستدركه وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} أنه قال: "لكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قَدْرَه إلا الله تعالى".وقد رُوي مرفوعاً [156]، والصواب أنه موقوف على ابن عباس. وقال السدي: "لسماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش" [157]. وقال ابن جرير: قال: أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد أُلقيت بين ظهري فلاة من الأرض" [158]. وقيل كرسيه علمه. ويُنْسب إلى ابن عباس [159].

والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة، كما تقدم، ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن، والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم، كما قيل في العرش. وإنما هو كما قال غير واحد من السلف:بين يدي العرش [160]، كالمرقاة إليه [161].

... قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [162] .... الكسب هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع أو ضرر [163].

[وقال أيضاً] …: قال: ابن الأنباري [164]: أي: لا تحملنا ما يثقل علينا أداؤه، وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه، قال: فخاطب العرب على حسب ما تعقل، فإن الرجل منهم يقول للرجل يبغضه: ما أُطيق النظر إليك، وهو مطيق لذلك، لكنه يثقل عليه [165].

سورة آل عمران

... قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [166] فيها قراءتان [167]: قراءة من يقف على قوله: {إِلاَّ اللَّهُ}، وقراءة من لا يقف عندها [168]، وكلتا القراءتين حق، ويراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره، وهو تأويله. ولا يريد مَنْ وقف على قوله: {إِلاَّ اللَّهُ} أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى، فإن لازم هذا أن يكون الله أنزل على رسوله كلاماً لا يعلم معناه جميع الأمة ولا الرسول، ويكون الراسخون في العلم لا حظ لهم في معرفة معناها سوى قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} وهذا القدر يقوله غير الراسخ في العلم من المؤمنين، والراسخون في العلم يجب امتيازهم عن عوام المؤمنين في ذلك [169]، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله" [170] ولقد صدق رضي الله عنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" رواه البخاري وغيره [171]. ودعاؤه صلى الله عليه وسلم لا يرد. قال مجاهد: "عرضت المصحف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير