تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [1]] ... لفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة، فإن المسح كما يُطلق ويراد به الإصابة، كذلك يطلق ويراد به الإسالة، كما تقول العرب: تمسحت للصلاة [2]. وفي الآية ما يدل على أنه لم يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل، بل المسح الذي الغسل قسم منه، فإنه قال: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، ولم يقل: إلى الكعاب، كما قال: {إِلَى الْمَرَافِقِ} فدلّ على أنه ليس في كل رجل كعب واحد، كما في كل يد مرفق واحد، بل في كل رجل كعبان، فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين، وهذا هو الغسل، فإن من يمسح المسح الخاص يجعل المسح لظهور القدمين، وجعل الكعبين - في الآية - غاية يرد قولهم [3]. فدعواهم [4] أن الفرض مسح الرجلين إلى الكعبين اللذين هما مجتمع الساق والقدم عند معقد الشراك مردود بالكتاب والسنة.

وفي الآية قراءتان مشهورتان النصب والخفض [5]، وتوجيه إعرابهما مبسوط في موضعه [6]، وقراءة النصب نص في وجوب الغسل؛ لأن العطف على المحل إنما يكون إذا كان المعنى واحداً، كقوله [7]:

فلسنا بالجبال ولا الحديدا ... ... ... ...

وليس معنى مسحت برأسي ورجلي، هو معنى مسحت رأسي ورجلي، بل ذكر الباء يفيد معنى زائداً على مجرد المسح، وهو إلصاق شيء من الماء بالرأس [8]، فتعين العطف على قوله: {وَأَيْدِيَكُمْ} [9] ... وفي ذكر المسح في الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجلين، فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً [10].

[وقال أيضاً]: قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [11] ... (من) هنا للتبعيض، لا للغاية [12]. أي: ألصقوا بوجوهكم وأيديكم بعضه. قال الزمخشري في الكشاف [13]: فإن قلت: قولهم إنها لابتداء الغاية قول متعسف، ولا يفهم أحد من العرب قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب إلا معنى التبعيض. قلت: هو كما تقول [14]، والإذعان للحق خير من المراء. انتهى [15].

... قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [16] ... ذكر في سبب نزول الآية الكريمة عن ابن جريج، عن عكرمة أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالماً مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم في صحابة تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح [17]، وحرموا طيبات الطعام واللباس، إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين، يريد ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا له من قيام الليل وصيام النهار، وما هموا به من الاختصاء، فنزلت فيهم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: "إن لأنفسكم عليكم حقاً، وإن لأعينكم حقاً، صوموا وأفطرواً، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا". فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت [18].

قال تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [19] {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [20] {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [21] لا خلاف أن كل واحد من الاسمين في هذه الآيات لما أُفرد شمل المقل والمعدم، ولما قرن أحدهما بالآخر في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [22] الآية، كان المراد بأحدهما المقل، والآخر المعدم [23]، على خلاف فيه [24].

وكذلك الإثم والعدوان، والبر والتقوى، والفسوق والعصيان. ويقرب من هذا المعنى الكفر والنفاق، فإن الكفر أعم، فإذا ذكر الكفر شمل النفاق، وإن ذكرا معاً كان لكل منهما معنى، وكذلك الإيمان والإسلام، على ما يأتي الكلام فيه، إن شاء الله تعالى [25].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير