تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[د. حاتم الشريف]ــــــــ[21 Jul 2006, 03:33 م]ـ

أما منزلته من الجرح والتعديل:

فالحقّ يُقال: إن من أعظم ما أضرّ بأبي صالح روايةُ الكلبي عنه لذلك التفسير الموضوع على ابن عباس رضي الله عنهما.

ولم يكتفِ الكلبي بذلك، حتى ادّعى أن أبا صالح قال له: «كل شيء حدثتك فهو كذب». (التاريخ الكبير للبخاري: 1/ 101، والأوسط: 3/ 399 رقم 609، والضعفاء: رقم 337، ومنتخب علل الخلال لابن قدامة: 127 رقم 60، والكامل لابن عدي: 2/ 69، 7/ 114، 115، والأسماء والصفات للبيهقي: رقم 875، 876).

وقد رُوي عنه هذا التكذيب بلفظ آخر مجمل، غير صريح بتكذيب أبي صالح، وهو أنه قال للثوري: «ما حدثت عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه». (الجرح والتعديل 7/ 271، والمجروحين 2/ 254).

وسواءً أقال العبارة الأولى التي زعم أن أبا صالح اعترف له فيها بالكذب، أو قال الثانية التي تحتمل تكذيبه نفسه، فالكلبي نفسه كذّاب، ولا يجوز أن يُجْرح أحدٌ بكلام كذّاب.

ولذلك فما أحسن تصرّف البخاري عندما أورد هذه العبارة في ترجمة الكلبي، لا في ترجمة أبي صالح. للذي ذكرناه من أن الكلبي نفسه كذاب، ومن جهة أن الكلبي قد ملأ الدنيا بتفسيره المطوَّل المكذوب هذا، فما باله يحدّث بما عَرّفه شيخُه -بزعمه- أنه كَذِبٌ؟! ولماذا لم يمتنع عن رواية هذا التفسير الموضوع؟!!

وقد بيّن يحيى بن معين من يستحق التكذيب في هذه النسخة، حيث قال (كما سيأتي): «الكلبي إذا روى عن أبي صالح فليس بشيء؛ لأن الكلبي يحدّث به مَرّةً من رأيه، ومَرَّةً عن أبي صالح، ومَرَّةً عن أبي صالح عن ابن عباس. فإذا حدّث غير الكلبي عن أبي صالح: فليس به بأس».

ووازن هذين الموقفين المنصفين من عبارة الكلبي تلك بقول الجوزجاني في أحوال الرجال (رقم 64): «أبو صالح مولى أمّ هانئ، كان يقال له دُرُوزَن: غير محمود (ثم أسند إلى سفيان الثوري:) عن الكلبي، قال: قال أبو صالح: كل ما حدثتُك كذب».

فـ (غير محمود) لا تساوي في الدلالة اتّهامه بالكذب، فإن قصد أنه غير محمود لكنه غير كذاب: فعبارته موهمةٌ، لا تؤدّي هذا المعنى؛ إذ كيف يَسْتدل لكونه غير كذاب بوصفه بالكذب؟! وإن استدلّ لوصفه بالكذب بعبارة الكلبي، فهذا ما لا يُقبل؛ إذ كيف يُجرح أحدٌ بقول كذاب؟!

وأحسب الجوزجاني وصفه بهذا الوصف لكونه من شيعة علي رضي الله عنه؛ لأنه ذكره في شيعة الكوفة، كما أنّ أبا صالح قد وصفه الدولابي بأنه علوي، ومراده بذلك أنه ممن له ميلٌ إلى عليّ رضي الله عنه. وهذا سببٌ من أسباب انحراف الجوزجاني عنه، فإنه (كما هو معروف عنه) فيه مَيْلٌ زائدٌ عن شيعة علي رضي الله عنه.

وقد ظهر لي سبب افتراء الكلبي لهذه الفرية، التي يدّعي فيها أن أبا صالح أقرّ على نفسه بالكذب، مع ما لا يخفى من بُعْد وقوع مثل هذا الإقرار في العادة، مما يشهد على كذب دعوى هذا الإقرار نفسها، وهذا السبب هو أن أبا جناب يحيى بن أبي حيّة، قال: «حلف أبو صالح: أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئًا». (الجرح والتعديل 7/ 271). فيبدو أن الكلبي لمّا بلغه أن أبا صالح كذّبه، واجه التكذيب بالتكذيب!!

وعلى عدم اعتماد تكذيب الكلبي لأبي صالح عامة النقّاد؛ لأنّ من ضعّف أبا صالح منهم، لم يصل الأمر بغالبهم درجة اتّهامه بالكذب، بل ظاهر عبارات غالبهم أنه خفيف الضعف؛ وهذا ردٌّ لقول الكلبي، وهو حريٌّ بكل ردّ.

ومع ذلك: فقد استصحب شؤمُ كَذِب الكلبي بتلك النسخة أبا صالح في غير سياقه الصحيح، في كثير من الأحيان.

وهذا ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (5/ 563 - 564)، يردّ على قول عبدالحق الإشبيلي عن أبي صالح: «ضعيف جدًّا»، بردٍّ يقول فيه: «وضعفُ الكلبي لا ينبغي أن يُعْدِي أبا صالح، وليس ينبغي أن يُمَسَّ أبو صالح بكذبة الكلبي عليه، حيث حكى عنه أنه قال له: كل ما حدثتك عن ابن عباس كذب، وفي رواية: فلا تحدث به. فهذا من كذب الكلبي، وهو عندهم كذاب».

ولكن يبدو أنّ كذب الكلبي قد أخرج عبارات في أبي صالح تُوهِمُ أنه في حالته من الكذب أو قريبًا منها!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير