تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فانظر قول الدارمي في ردّه على المريسي (54): «قد أجمع أهل العلم بالأثر أن لا يحتجوا بالكلبي، في أدنى حلال أو حرام، فكيف في تفسير توحيد الله وتفسير كلامه!! وكذلك أبو صالح». فلا أدري: هل جُرّ أبو صالح بالمجاورة (كما يقول أهل النحو)؟! أم قصد أنه لا يُعتمد على نسخة الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس؟! أم قصد استضعافَ تفسير أبي صالح الموقوف عليه لا روايته عن ابن عباس؟!!

فمن نظر في أقوال أئمة الجرح والتعديل، والتي سيأتي ذكرها، يعلم أن أبا صالح لا يصح اتّهامُه وتركُه، وأن أقصى ما يمكن أن يصل إليه من الضعف، هو الضعف الذي سببه قلّة الحفظ وضعف الضبط، وهو سببٌ لا يُنزله إلى مراتب الضعف الشديد أبدًا، ما دام معلومَ العدالة.

ومن ثَمَّ: يستحقُّ كل قول يدلّ على ترك أبي صالح التركَ المعني به ترك الرواية، والدالَّ على شدّة الضعف = أن يكون قولاً مردودًا، لا يؤثر في أبي صالح؛ لأنه يشهد على عدم صحّة تصوّر قائله لحقيقة حال أبي صالح. ومن لم يصحّ تصوّره لا يصح حُكْمُه، ولا يصحّ اعتماد حكمه من بعده.

فانظر قول البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 312): «وأبو صالح هذا، والكلبي، ومحمد بن مروان: كلّهم متروك عند أهل العلم بالحديث، لا يحتجّون بشيء من رواياتهم؛ لكثرة المناكير فيها، وظهور الكذب منهم في رواياتهم».

هذا القول مثالٌ صحيح لشؤم رواية الكلبي عن أبي صالح في التفسير، ومثال على عدم صحّة التصوّر لحال أبي صالح!

ونحوٌ منه قول ابن عدي: «وباذام عامّةُ ما يرويه تفاسير، وما أقلّ ما له من المسند. وهو يروي عن: علي، وابن عباس. وروى عنه: ابن أبي خالد تفسيرًا كثيرًا، قدرَ جزء. وفي ذلك التفسير ما لا يتابعه عليه أحد، ولا أعلم أحدًا من المتقدّمين رضيه». (الكامل 2/ 71، ووقع فيه تصحيفات، وتصويبها من مختصر الكامل للمقريزي 201 رقم 300).

قلت: إن قصد ابن عدي بما لا يتابع عليه من التفسير رواية الكلبي، فهذا ما لا يصح أن تُلْحَق نكارته بأبي صالح. وإن قصد ما سوى ذلك، فما أورد له ابن عدي شيئًا يقتضي تضعيف تفسيره.

فقد أخرج ابن عدي (2/ 70) في ترجمة أبي صالح خبرين عنه متعلّقين بالتفسير، والأصل أنه أخرجهما لبيان مثالٍ لما يُستنكر عليه من التفسير.

أمّا الأول: فهو أن أبا صالح قال في قوله تعالى: {ويأتوكم من فورهم} [آل عمران:125]: «من غضبهم».

وهذا تفسير لم ينفرد به أبو صالح، بل هو قول مجاهد، وقولٌ لعكرمة مولى ابن عباس، وللضحاك، وله وجه في اللغة صحيح. (تفسير الطبري 6/ 30 - 32).

وأمّا الثاني: فرواية أبي صالح عن أمّ هانئ، قالت: «فيّ نزلت هذه الآية {وبنات عملك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} [الأحزاب:50]، فقالت: أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوّجني، فنُهي عنّي؛ لأني لم أُهاجر».

وهذا السبب لنزول الآية الذي أورده ابن عدي، والذي يُفهم من إيراده إيّاه أنه مثالٌ لما يُستنكر من مرويات أبي صالح في التفسير = ليس فيه نكارة ظاهرة، بل قد خالفه غيره من أئمة الحديث، فقد أخرجه الترمذي (رقم 3214)، وقال: «هذا حديث حسن، لا أعرفه إلا من هذا الوجه من حديث السُّدِّي». (ووازنه بتحفة الأشراف 12/ 450 رقم 17999)، والحاكم وصحّحه (2/ 420) (4/ 53). وذكره عددٌ من المفسّرين عند هذه الآية، دون نكير منهم لها.

وانفراد أبي صالح عن أمّ هانئ بهذا السبب، وهو مولاها، لا غرابة فيه. على أنّ أصل القصّة ثابتٌ في الصحيح، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أمّ هانئ. فقد أخرجه مسلم (4/ 1959 رقم 2527)، من حديث أبي هريرة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خطب أمّ هانئ بنت أبي طالب، فقالت: يا رسول الله، إني قد كبرتُ، ولي عيال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير نساء ركبن الإبل نساء قريش، أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده)).

وله شاهدٌ من حديث أمّ هانئ نفسها عند الطبراني في الكبير (24/ 436 - 437) والأوسط (رقم 4254، 5615)، بإسناد جيّد إلى الشعبي، عن أمّ هانئ رضي الله عنها. وأخرجه ابن سعد (10/ 146 - 147)، عن الشعبي، بالقصّة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير