وقال ابن رجب في (شرح العلل) 2/ 594 –بعد أن ذكر بعض أوهام الرواة في التصريح بالسماع-:" وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد، فقد ذكر ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه ويكون منقطعاً".
ونخشى أن يكون ما ذكرته أيها المثبت من جملة تلك الأشياء.
قال المثبت: إليك أيها النافي الحجة الدامغة، والبرهان الساطع على ما نقول وهو التصريح بالسماع الذي جاء عند ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 330 رقم 1742) قال: «حدثنا يونس بن حبيب: حدثنا أبو داود: حدثنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت أبا صالح مولى أمّ هانيء، أنه سمع ابن عباس يقول في قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]، قال: أنفق في سبيل الله، وإن لم تجد إلا مِشْقصًا».
قال النافي: رواية أبي صالح عن ابن عباس من الروايات المشهورة، ولم يوقف في شئ منها على التصريح بالسماع سوى ما ذكرت، وقد توارد الأئمة الحفاظ: مسلم، فابن حبان، فالعلائي، فابن الملقن، فابن حجر، وغيرهم على نقل عدم السماع، ولو كان سماعه محفوظا لاشتهر لأن هذا مما تتوافر الهمم على نقله، فلعل هذا خطأ من بعض النساخ، أو وهم من بعض الرواة، فالأخطاء في التصريح بالسماع واردة وعليها أمثلة، وسبق النقل عن ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الإخبار عن شيوخه ويكون منقطعاً.
قال المثبت: ثمة بعض القرائن التي تدل على قدم طبقة أبي صالح –ذكرها الشيخ في أصل المقال- مما يدل على سماعه ممن هو قبل ابن عباس فضلا عنه.
قال النافي: عدت بنا إلى مسألة شائكة تساقطت عليها عمائم الرجال وتكسرت فيها النصال على النصال، وهي: متى يحكم بسماع الراوي ممن روى عنه؟ وقد صنف فيها كتب، وجرت بسببها ردود ومناقشات، ولا مجال هنا للخوض فيها، لكن لايخفى أن الأئمة يفرقون بين تقريب إمكان السماع بذكر بعض القرائن، مثل: أدرك فلانا، أو: كان قديما يمكنه السماع منه، أو يذكرون سماع من هو أصغر من المسؤول عنه، أو يذكرون سماعه ممن مات قبل من وقع عليه السؤال، ونحو ذلك، فهذه قرائن وليست أدلة على إثبات السماع.
قال ابن رجب في (شرح علل الترمذي) 2/ 599:"وسئل –يعني الإمام أحمد- عن أبي ريحانة سمع من سفينة؟ قال: ينبغي هو قديم، قد سمع من ابن عمر.
قيل –القائل ابن رجب-: لم يقل إن حديثه عن سفينة صحيح متصل، إنما قال: هو قديم ينبغي أن يكون سمع منه، وهذا تقريب لإمكان سماعه، وليس في كلامه أكثر من هذا".
قال المثبت: يدل على ما نقرره تصريح أحد الأئمة بذلك فقد قال الدولابي في ترجمته من الكنى (2/ 656): «سمع من علي، وابن عباس".
قال النافي: رحمك الله أيها المثبت، فأين هذا الواحد من الجماعة؛ مسلم ومن معه الذين نقلوا عدم السماع، فقبول الجماعة أولى بالقبول لأنه أبعد عن الغلط.
وبعد .. فهذه معاقد حجج الطائفتين، ومنزع أدلة الفريقين، ولست أجزم بأحد المذهبين، بل أستخير فيها حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين.
أرجو أن الله تعالى قد فتح عليك أخي في هذه المسألة.
وهل من جديد حولها؟