وأما تعقيب الأخ الكريم الشيخ ابن وهب فقد ذكر الدكتور حاتم الشريف أن استداركه الأول صحيح، وأن الكلام للواقدي وليس للدولابي، وقد صحح هذا الوهم في بحثه وهو يعده الآن للطباعة مع بعض الأبحاث الأخرى، وسألني عن اسم الأخ الكريم ابن وهب حتى ينسب هذا الاستدراك إليه فلم أعرفه، وذكر أنه ذكر في البحث أنه قد نبهه بعض الفضلاء لهذا الوهم. وأما ملحوظته الثانية حول تمييز كلام الإمام مسلم عن كلام ابن رجب فلم يتبين له بعد البحث صوابها.
هذا ما بقي في الذاكرة مما دار من الحديث، علقته قبل فواته، والله الموفق سبحانه وتعالى.
الرياض 16/ 12/1427هـ
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[28 Jul 2010, 12:21 م]ـ
أولا: أرحب بفضيلة الدكتور حاتم الشريف وفقه الله في هذا الملتقى، وكم سرني رؤية اسمه مشاركا فهو مكسب في هذا الملتقى المتميز بمضمونه ومشرفيه وأعضائه.
ثم أشكره ثانيا على هذه الدرة النفيسة التي أتحفنا بها، وهذا البحث المحرر الحبير في هذه المسألة الهامة في علمي التفسير والحديث.
وليسمح لي الإخوة بالتعليق على الجانب الأول من البحث، وهو إثبات سماعه من ابن عباس رضي الله عنهما، فالأمر كما ذكر الشيخ كان في اعتماد عدم سماعه، وكنت مؤمنا بذلك، وبعد المقال نقلني من الإيمان إلى الشك، وصرت في منزلة بين المنزلتين، منزلة إثبات السماع، ومنزلة نفيه.
ولعلي أذكر ما يجول في ذهني في المسألة، وسأجعل ذلك على شكل محاورة بين اثنين: المثبت –يعني للسماع- ويمثل ذلك بحث الشيخ أعلاه، والنافي للسماع، فإلى المحاورة:
قال المثبت: ثبت عندي صحة سماع أبي صالح من ابن عباس رضي الله عنهما، بالأدلة القاطعة.
قال النافي: بل الذي نعتقده عدم السماع، فهات ما عندك لننظر فيه.
قال المثبت: جاء في منتخب علل الخلال لابن قدامة (127 رقم 60)، قال مُهَنّى: «قال أحمد بن حنبل: لم يكن عند أبي صالح من الحديث المسند. يعني: إلا شيءٌ يسير. (قال مهنى:) قلت: أي شيء؟ قال: عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]، قال: النفقة في سبيل الله»
والمسند يحمل على المتصل بدليل التصريح بالسماع في رواية ابن أبي حاتم كما سيأتي، ولأن الحديث غير مرفوع.
قال النافي: المشهور عند المحدثين أن المسند هو: المتصل المرفوع.
ثم إن عبارة الإمام أحمد ليست نصا في ذلك.
ومع ذلك فهي مقابلة بعبارة الإمام مسلم وهي نص صريح على ما نقول، وهكذا تبعه الحافظ ابن حبان وغيرهما في نصوص صريحة، فليس قبول عبارة الإمام أحمد –لو كانت نصا- بأولى من قبول عبارة مسلم ومن تابعه.
قال المثبت: الأثر المذكور جاء من رواية شعبة، عن منصور، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ومن المعلوم لدى المشتغلين بالسنّة: دلالةُ رواية شعبة بن الحجاج على سماع الرواة الذين روى عنهم بعضهم من بعض، لا في طبقة شيوخه وشيوخهم، بل في طبقة شيوخ شيوخه وشيوخهم أيضًا.
قال النافي: ما ذكرته عن شعبة رحمه الله مشهور عنه، لكنه قرينة أغلبية ليس دليلا قطعيا، وهذه القرينة يستفاد منها ويفزع إليها في مواضع، وليس هذا منها لأن نصوص النقاد – مسلم ومن معه- صريحة قاضية بعدم سماعه.
ويؤيد ما نقول المثال الذي نقلته من العلل لابن أبي حاتم 1/ 448 –وليتك أكملته- ونصه:
"سألت أبي عن اختلاف حديث عمار بن ياسر في التيمم، وما الصحيح منها؟
فقال: رواه الثوري، عن سلمة، عن أبي مالك الغفاري، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم ... قلت: فأبو مالك سمع من عمار شيئا؟ قال: ما أدرى ما أقول لك! قد روى شعبة، عن حصين، عن أبي مالك، سمعت عمارا، ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار ما كان شعبة يرويه، وسلمة أحفظ من حصين. قلت: ما تنكر أن يكون سمع من عمار، وقد سمع من ابن عباس؟ قال: بين موت ابن عباس وبين موت عمار قريب من عشرين سنة".
فترى أن أبا حاتم أشار إلى ما أشرت إليه من تميز شعبة في هذا، بل نقل روايته التي فيها التصريح بسماع أبي مالك من عمار، ومع هذا جعلها مرجوحة وقوى عدم السماع.
¥