ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[25 Jul 2006, 05:46 م]ـ
ما أشرت إليه -حفظك الله- من صنيع بعض المتأخرين في التحجير في باب الإسرائيليات، فمع مافيه من الملاحظة عليهم، لكن قد يعتذر عنهم بأن هناك فرقا بين عصرنا وعصر من تقدم، وذلك بأن الكتب في السابق لا يحصلها إلا أهل العلم في الغالب لصعوبة ذلك، فلا مطابع ولا آلات تصوير – فضلا عن السكنر والأنترنت- فلذا كانوا يكتبون وهم مطمئنون أن القراء من العلماء أو من طلبة العلم، أضف إلى ذلك أن كتب السلف كتفسير الطبري مثلا عميقة من الناحية العلمية لا يقدم عليها إلا من كان له قدم في العلم، وهذا بخلاف الزمن المعاصر الذي انتشر وتيسر فيه الكتاب جدا، وكتبت التفاسير للمثقفين وللعوام، فمثل هؤلاء إذا قرأ في سياق تفسير الآية: الحديث النبوي، وقول الصحابي، والإسرائيليات؛ اعتقد الجميع حقا واعتمده تفسيرا للآية، وهنا يقع المحذور، لاسيما وشيخه كتابه.
فلذا ربما يوافق المعاصرون في التحذير من الإسرائيليات في التفاسير المعاصرة التي يقرأها غير المتخصصين، والله أعلم.
ثم إن توقي ذلك في التفسير قديم فقد جاء في (سير أعلام النبلاء) 4/ 451:" قال أبو بكر بن عياش: قلت للأعمش: ما بالهم يتقون تفسير مجاهد؟! قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب".
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[25 Jul 2006, 09:31 م]ـ
أخي خالد
على عادتك في إتحاف المناقشات بفوائد علمية، فحياك ربي، ثم حياك.
اخي الكريم
المعاصرون الذين ذكرتُ لك مذهبهم قوم كانوا قبل ظهور الأنترنت وما يتعلق به من تقنيات.
وأما جواز التحديث عن بني إسرائيل فجاء بعد النهي الذي ذكرتم.
وإذا كنا سنتحاشى القول الصحيح المبني على المنهج النبوي الذي لم يفرق بين عامي وعالم في جواز التحديث، فإننا سنترك بعض العلم من اجل هذه العلة.
ولست أدعو في قولي هذا أن ننشط في رواية الإسرائيليات، بل أنا أرى أن من اتقاها من المعاصلاين، فإنه يُحمد على منهجه هذا، لكني أكره ما يكون من نقد علمائنا السابقين لأنهم رووا الإسرائيليات في كتبهم.
وأما ما ذكرتم عن الأعمش في حق مجاهد، فهذا ـ عندي ـ يدلُّ على وجود مذهبين للسلف في التعامل مع مرويات بني إسرائيل، ولا غبار في ذلك، فمن حدَّث فله سلف، ومن ترك التحديث فله سلف، لكن يبقى أن المنهج النبوي هو الأولى بالاتباع.
وأظنه لا يخفى على مثلكم تصديق النبي صلى الله عليه وسلم للحبر، فقد جاءه حبر من اليهود فقال: إنه إذا كان يوم القيامة، جعل الله السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والماء والثرى على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يهزهن، ثم يقول: أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه، تعجبا وتصديقا لقوله، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره - إلى قوله - يشركون} رواه البخاري.
ولأجل أن الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام التشريع، ويأتيه الوحي بالتصديق لمثل هذا الأمر، فإننا نقبل قول هذا الحبر؛ لتصديق رسولنا صلى الله عليه وسلم له.
أما غيره من الأخبار، فقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى احمد وأبو داود وغيرهام عن أبي نملة الأنصاري أنه بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من اليهود مر بجنازة فقال: يا محمد، هل تتكلم الجنازة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم).
فقال اليهودي: إنها تتكلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلا لم تصدقوهم، وإن كان حقا لم تكذبوهم).
وهذا منهج تطبيقي من الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع مرويات بني إسرائيل.
والموضوع ذو شجون، وقد أشرت إلى طرف منه في شرحي لمقدمة في أصول التفسير (كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية)، وبينت بعض الأمور المتعلقة بالإسرائيليات.
ولا زلت أدعو إلى أن يُقرأ هذا الموضوع من جديد، وأن نزيل الخوف والرهبة العلمية المظنونة في مثل هذا الموضوع، سواء بالنظر إلى العامة أو بالنظر إلى الطاعنين من الملحدين والمستشرقين وغيرهم، فنحن أصحاب حق أبلج لا نخاف فيه من غيرنا، فالحق معنا ولله الحمد.
وما يتوهمه بعض الباحثين في الإسرائيليات من وجود أثر سيء لها، أو من وجود مطاعن للمستشرقين في تفاسير سلف الأمة، وأنهم اخذوا من أهل الكتاب = لا يلزم منه عدم بيان المنهج الحق في هذه المسألة.
والحديث فيها يطول، وهي بحاجة إلى حديث مفصل في غير هذا الموضع، خصوصًا ما يقع من الطعن من قبل اليهود والمستشرقين والتوراتيين وغيرهم من الملاحدة الطاعنين، فهؤلاء يطعنون في الواضح البين، فما بالك في غيره، ولعل الله ييسر الكتابة في هذا الموضوع مرة أخرى.
وأقول:
إن هذا الموضوع بحاجة إلى الانطلاق من الآثار، والنظر فيها على النحو الآتي:
1 ـ الأحاديث النبوية المتعلقة بأخبار بني إسرائيل، وكيفية تعامله صلى الله عليه وسلم معها.
2 ـ النظر في منهج الصحابة في التعامل مع مرويات بني إسرائيل قولاً أو فعلاً بذكر هذه المرويات، للخروج بالمنهج السليم في التعامل مع هذا الموضوع.
3 ـ النظر في عمل التابعين ومن بعدهم من علماء الأمة المقبولين الذين اتفق الناس على جلالتهم؛ كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
أما الدخول إلى الموضوع بمقررات سابقة، وهي رفض ما هو من المرويات الإسرائيلية، فلن يجدي في البحث العلمي.
¥