تأمل أيها المؤمن بربه فالله قد قال: ?قَرْنَ? ولم يقل (امكثن) ولا (ابقين)، لأن ?قَرْنَ? هذه تدل على جملة أشياء لابد لطالبة الحياء والحشمة منها، فهي إما من القرار وهو المكوث والاستقرار، وإما من الوقر وهو الثقل، وإما من الوقار وإما من قرة العين، فيكون المراد أي أقررن عيونًا في بيوتكن، أي في بيوتكن قرة عين فلا تتطلعن إلى ما جاوز ذلك، ولو تأملت كل هذا أختي الكريمة، لأدركت السر في إيثار هذا الفعل ?قَرْنَ?، وفي قراءة ?قِرْنَ? على ما سواه، لأن كل هذه المعاني: القرار – الاستقرار – المكوث – الوقار – قرة العين – الثقل، كلها مقصودة في حفظ المرأة ذات المنزلة الرفيعة في هذا الدين، ولم تحصل لها تلك الحماية إلا في بيتها، لذا قال سبحانه: ? فِى بُيُوتِكُنَّ ?، فنسب البيوت إليهن لا إلى الرجال، وإلا لقال: (في بيوتكم)، ولم يجعلها مطلقة، وإلا لقال: (في البيوت)، كل ذلك لندرك أن البيت بدون المرأة لا يستحق هذا الاسم, لأن البيت هو مستقر المرأة, ومثابة نفسها, ومبرز قدراتها, وحافظ حشمتها, هو مصنعها تجد فيه حقيقة ذاتها وتحقق فيه كيانها كما أرادها الله, غير مشوهة غير ملوثة غير مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة.
وحتى يتم ذلك وتقوم المرأة بواجبها, وتؤدي مسؤوليتها, جعل سبحانه القوامة للرجل وجعل السعي والشقاء عليه, وألزمه بالنفقة, فقال سبحانه: ? ?لرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ?لنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ?للَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْو?لِهِمْ ?, [النساء 34].
وهذه الآية ذات مدلول عجيب, فالمذكور هنا هو (القوامة) , لا الأمر ولا التعالي, ولا الاستعباد, كما يردد هؤلاء الموتورون, والقوامة هي الإدارة, فالزوج مدير لشؤون البيت, جاء في اللغة: قام الرجل المرأة: (أي قام بشؤونها) , والقوَّام هو المبالغ في القيام بالأمر, فالرجل إذًا هو المأمور بالمحافظة الشديدة, والحياطة الأكيدة للمرأة وشؤون الأسرة.
وقد يقال: ولماذا الرجل دون المرأة؟.
الجواب: أن الإدارة لأي مؤسسة لا تعني الأفضلية من كل وجه, بل تعني القدرة, والمهارة في ذلك الأمر خصوصًا وهو الإدارة, والأسرة تحتاج إلى شيء مهم آخر وهو الكسب, والرجل في ذلك كله أبرز من المرأة, وأصبر على المشاق, وأقدر على تلقي الصدمات, وحل الأزمات, لذلك علل سبحانه قوامته بأمرين اقتضيا التفضيل في جانب الإدارة البيتية وهما: ? بِمَا فَضَّلَ ?للَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى? بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْو?لِهِمْ ?.
إن تفضيل الرجل على المرأة, فيما يخص تكوينه الجسمي بل وحتى العقلي أضحى أمرًا معروفًا مقررًا, وهو يتواءم تمامًا مع مقتضيات المسؤولية والإدارة, لذا نرى أن رؤساء الدول حتى المنادية بحرية المرأة منها هم من الرجال, وكذلك المؤسسات الكبرى, والمواقع القيادية في كل دول العالم من قديم الزمن إلى وقتنا هذا, ويقول علماء الإدارة: الرئيس رجل.
والمرأة لها موقعها الذي تتميز به على الرجل بل وتفضله فيه, ذلك هو تربيتها لأولادها, ورعايتها لما في داخل بيتها فهي زوجة, وأم, وقد فضلت الأم على الأب (الرجل) ثلاث مرات في أحقية البر, المرأة أقدر من الرجل على الإنفاق من رصيد المشاعر الضخم لديها, إنها أكثر حنانًا ورحمة وشفقة, لذا فهي أقدر من الرجل على الاستمالة واحتواء الخلافات العاطفية, وحل المشكلات العائلية, كما أثبتت ذلك الدراسات النفسية, وهذا لا يكون بالإشعار بالندية, بل بالطاعة والاحتواء, وتلك قدرة فائقة لا يستطيعها كثير من الرجال.
ومما أهل الرجل للقوامة أيضًا (الكسب) كما قال سبحانه: ? وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْو?لِهِمْ ?, والقانون العالمي يقول: من ينفق يشرف, والرجل في هذا المجال أقدر وأظهر على كل حال.
إن كل هذا يدل على أن مسؤولية القوامة تقييد وتكليف, ومن يريد نقلها إلى المرأة فهو لا يريد تحريرها كما يزعم, بل يريد تقييدها, بعدد من المسؤوليات التي لا تناسب طبيعتها.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[03 Aug 2006, 08:30 ص]ـ
شكر الله لكم هذه الاتحافة الجميلة والتأملات القرآنية ..
ونرحب بكم سعادة الدكتور في ملتقى أهل التفسير ..
ويا حبذا لو اتحفتنا أبا عمر بالمزيد من لطائفك ووقفاتك التفسيرية والبلاغية والقرآنية التي نفع الله بها في منطقة تبوك ..
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[03 Aug 2006, 12:44 م]ـ
حياك الله يا دكتور عويض، ومرحبًا بكم في ملتقى أهل التفسير، ولعلكم تواصلون في طرح هذه اللطائف الدقيقة، ولقد سررت بمشاركتكم هذه، وأول الغيث قطرة.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[03 Aug 2006, 07:48 م]ـ
حياكم الله يا أبا عمر في هذا الملتقى العلمي المتخصص في القرآن وعلومه، وقد أسعدتنا بهذه المشاركة اللطيفة حول موضوع يمس كثيراً من الأسر المسلمة في هذا الزمان، وهو أفضلية بقاء المرأة في بيتها.
¥