ـ[علال بوربيق]ــــــــ[22 Aug 2006, 02:40 م]ـ
الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافيء مزيده.
والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير صلوات ربي وسلامه عليه،
أما بعد:
أولا: العلاقة بين الأسماء والمعاني:
قال ابن القيم: " فلما كانت الأسماء قوالب للمعاني، ودالةً عليها، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباطٌ وتناسبٌ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلّق له بها، فإن حكمة الحكيم تأبى ذ?لك، والواقع يشهد بخلافه، بل للأسماء تأثيرٌ في المسميات، وللمسميات تأثّر عن أسمائها في الحسن والقبح، والخفة والثقل، واللطافة والكثافة، كما قيل:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقبٍ ... إلا ومعناه إن فكرت في لقبه.
…ولما كان بين الأسماء والمسميات من الارتباط والتناسب والقرابة، ما بين قوالب الأشياء وحقائقها، وما بين الأرواح والأجسام، عبر العقل من كل منهما إلى الآخر، كما كان إياس بن معاوية وغيره يرى الشخص، فيقول: ينبغي أن يكون اسمه كيت وكيت، فلا يكاد يخطىء، وضدّ هذا العبور من الاسم إلى مسماه " (1)
ثانيا: اشتقاق الاسم ومدلوله عند الإمام البقاعي.
جرت عادة العلماء أن يتكلموا عن " الاسم "، ومن أين اشتقاقه، والمسألة خلافية وقديمة بين أهل البصرة و الكوفة، وملخص ذلك ماذكره القرطبي في تفسيره حيث قال: " اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين؛ فقال البصريون: هو مشتق من السُّمُوّ وهو العلوّ والرفعة، فقيل: اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به. وقيل: لأن الاسم يسمو بالمسمّى فيرفعه عن غيره. وقيل: إنما سُمِّيَ الاسم اسما لأنه علا بقوّته على قسمي الكلام: الحرف والفعل؛ والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل؛ فلِعلُوّه عليهما سمى اسماً؛ فهذه ثلاثة أقوال. وقال الكوفيون: إنه مشتق من السِّمَة وهي العلامة؛ لأن الاسم علامة لمن وضع له؛ فأصل اسم على هذا «وسم».والأوّل أصح؛ لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء؛ والجمع والتصغير يردّان الأشياء إلى أصولها؛ فلا يقال: وسيم ولا أوسام " (2)
ولكن الإمام البقاعي أدرك أن المذهبين ليس بينهماتعارض بل هما يخدمان المقصود الذي يهدف إليه-والذي هومقصود السور، فنقل عن الأستاذ الحرالي – كما كان يحل له ان يلقبه-رأيا ثالثا يجمع بينهما فقال في تفسير قوله تعالى: " وعلم آدم الاسمآء كلها " الأسماء: وهو جمع اسم وهو ما يجمع اشتقاقين من السمة والسمو؛ فهو بالنظر إلى اللفظ وسم وبالنظر إلى الحظ من ذات الشيء سمو، وذلك السمو هو مدلول الاسم الذي هو الوسم الذي ترادفه التسمية- قاله الحرالي" (3)، ويضيف ناقلا عن الإمام أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي في كتابه الزينة ليثبت هذا المعنى فيقول: ويقال إن الاسم مأخوذ من السمو وهو العلو والرفعة، وإنما جعل الاسم تنويهاً بالدلالة على معنى الاسم لأن المعنى تحت الاسم - هذا قول النحويين؛ والسمة تدل على صاحبها، لأنهما حرفان سين وميم، فالسين من السناء والميم من المجد وهو لب الشيء، فكأنه سمى اسماً لأنه يضيء لك عن لب الشيء ويترجم عن مكنونه، وليس شيء إلا وقد وسمه الله بسمة تدل على ما فيه من الجوهر؛ فاحتوت الأسماء على جميع العلم بالأشياء، فعلمها الله آدم وأبرز فضيلته على الملائكة عليهم السلام " (4)
ثالثا: العارف بالأسماء وبحقائقها ومدلولاتها هوالعالم بحق:
وتعلم الأسماء ومعرفة مدلولاتها هو العلم الحقيقي عند الإمام البقاعي، وهو الذي خص الله عز وجل به آدم دون سائر المخلوقات " وعلم آدم الأسماء كلها " بينما خصت الملائكة بالإنباء " فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَؤُلاءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ "، وهناتظهر براعة الإمام الحرالي الذي ينقل عنه الإمام البقاعي هذا المعنى النفيس بقوله في كتابه أصول الفقه:" وهو عند آدم علم وعند الملائكة، ومن لا يعلم حقيقة الاسم المعروض توقيف ونبأ. " (5)
رابعا: ليس في مقدور كل أحد أن يسمي:
اطلاق الأسماء ليس بالأمر السهل ولا الهين ولذلك يقول الإمام البقاعي رحمه الله: " وكما أنه ليس لكل أحد مُنّة أن يصف فكذلك ليس لكل أحد منة أن يسمي " (6)
¥