المراد بالرأي الرأي الفاسد الموافق للهوى دون الاجتهاد الصحيح، والرأي يتناول الصحيح والفاسد، والموافق للهوى قد يخصص باسم الرأي.
والوجه الثاني: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن، وما فيه من الألفاظ المهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار والحذف، والإضمار والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل في زمرة من يفسر بالرأي".
وهذه الأسباب التي تحدث عنها الإمام الغزالي كلها أسباب خارجية وليست نصية، أي أنها غير نابعة من النص، بل هي أخطاء منهجية بتجاوزها إلى قواعد منهجية علمية وسليمة قد يصبح التأويل مقبولا من الناحية الشرعية أولا، ومن الناحية العقلية المنطقية ثانيا.
رابعا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند الراغب الأصفهاني (ت 502هـ):
تمشيا مع منهج أهل السنة في قضية التأويل، نجد الراغب الأصفهاني في كتابه " مقدمة التفسير" " لا يرفض التأويل بصفة كلية، بل يبين أن التأويل نوعان منه ماهو مردود مرفوض، ويصطلح عليه بالتأويل المستكره، ومنه ما هو مقبول ويصطلح عليه بالتأويل المنقاد، ويضرب أمثلة للتأويل المستكره، يمكن أن نستخلص منها الأسباب التي جعلته يكون مرفوضا من طرق هذا العالم الجليل، ويمكن حصرها في أربعة أسباب منهجية خارجية عن النص وهي:
1 - التلفيق بين لفظين كل منهما ورد في سياق مخالف للسياق الذي ورد فيه الآخر.
2 - ما يفسر بحديث موضوع أو ضعيف، واصطلح عليه بخبر مزور أو كالمزور.
3 - ما يفسر تفسيرا لغويا متعسفا.
وهذا نص كلامه: " والتأويل نوعان مستكره ومنقاد. فالمستكره ما يستبشع إذا سبر بالحجة ... وذلك على أربعة أضرب. الأول أن يكون لفظ عام فيخصص في بعض ما يدخل تحته نحو قوله تعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين}، حمله بعض الناس على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقط. والثاني أن تلفق بين اثنين نحو قول من زعم أن الحيوانات كلها مكلفة بقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}. وقد قال تعالى: {وما من دابة في الارض. ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم}. فدل بقوله أمم أمثالكم أنهم مكلفون كما نحن مكلفون. والثالث ما استعين فيه بخبر مزور أو كالمزور كقول بعضهم في قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} عني به الجارحة مستدلا بحديث موضوع. والرابع ما يستعان فيه باستعارات واشتقاقات بعيدة كما قال بعض الناس في البقر إنه إنسان يبقر عن أسرار العلوم. وفي الهدهد إنه إنسان موصوف بجودة البحث".
ويبين بعد ذلك الراغب الأصفهاني المجالات العلمية التي يغلب عليها كل ضرب من هذه الأخطاء المنهجية الأربع فيقول: " فالأول أكثر ما يروج على المتفقهة الذين لم يقووا في معرفة الخاص والعام. والثاني على المتكلم الذي لم يقو في معرفة شرائط النظم. والثالث على صاحب الحديث الذي لم يتهذب في شرائط قبول الأخبار. والرابع على الأديب الذي لم يتهذب بشرائط الاستعارات والاشتقاقات".
وأما التأويل المنقاد عند الراغب فهو التأويل المقبول، وهو ما سلم من عيوب التأويل المستكره، وهو مما قد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم. وموجبات الخلاف هنا هي غير موجبات الخلاف في التأويل المستكره، ذلك أنها هنا تكون كلها راجعة إلى النص ذاته، في حين نجدها في التأويل المستكره ترجع إلى أسباب منهجية خارجة عن النص، بل تكون مفروضة عليه وليست نابعة منه ولا هو يستدعيها، مما يؤدي إلى مفارقات غريبة في الإستنباط والنتائج. وفي ذلك يقول الأصفهاني: " والمنقاد من التأويل مالا يعرض فيه البشاعة المتقدمة، وقد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم لاحدى جهات ثلاث، وإما لاشتراك في اللفظ نحو قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} هل هو من بصر العين، أو من بصر القلب، أو لأمر راجع إلى النظم نحو قوله تعالى: {وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا}، هل هذا الإستثناء مقصور على المعطوف، أو مردود إليه وإلى المعطوف عليه معا. وإما لغموض المعنى، ووجازة اللفظ نحو قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} ".
¥